dimanche 12 juin 2011

الدعوة الإسلامية بالجزائر: حركة مجتمع السلم


المقدمة:
لقد أجمع الحكماء، والنبهاء العارفين بتاريخ الأمم والحضارات، أن قيمة الشيئ تدرك عند افتقاده، فلا يمكن لأحد مهما أوتي من جوامع الكلم، أن يصف لنا الماء وأهميته وصفا يقارب وصف ذلك التائه في الصحراء القاحلة، كما لا يمكن أن يقدر حالة الأمن إلا من افتقدها، و عليه لا يمكن أن يقدر قيمة السلم إلا من عانى ويلات الحرب، ولا قيمة الإعتدال إلا من عانى ويلات التطرف، و في اعتقادي الخاص أن تجربة حركة مجتمع السلم بالجزائر ، لفتت إليها الأنظار في العشرية الأخيرة، وأصبحت بدون منازع مضرب الأمثال للحركات الإسلامية التي وقعت بين فكي رحى عدو متربص، وصديق جاهلا، فالأنموذج الذي بنته حركة مجتمع السلم في فقه التعامل مع النوازل، و إعلاء قيمة السلم زمن الحرب، و بث روح التسامح بين أبناء البلد الواحد في زمن الإحتراب، وضبط النفس والصبر على المكاره زمن الإستدراج، كلها قيم جعلت رصيد الحركة الإسلامية المعتدلة في الجزائر والعالم يزداد، و العتمة التي أدخلت إليها الحركة الإسلامية تنزاح ، و أصبح جليا لكل ذا لب ان الإسلام لا يؤاخذ بأفعال المسلمين، و أن الحركة الإسلامية لا تؤاخذ بفعل أفكار متطرفة لبعض منتسبيها، وما انتصاب، ومرابطة حركة مجتمع السلم فيهاخلال عشرية الدم والنار (1992-199) و التي كلفت البلاد والعباد قرابة مئتي ألف قتيل( حسب منظمات حقوقية خارجية) و أزيد من 27 مليار دولار( حسب التصريحات الحكومية) دون الإلتفات إلى المخلفات النفسية والإجتماعية إلا دليلا على قدرة الحركة الإسلامية على زرع السلم زمن العنف، و نشر المحبة زمن الإختلاف، ووجوب التعايش داخل الوطن الواحد مهما اختلفت المشارب و المذاهب. فبناء على ما تقدم حاولت أن أقترب من هذه الحركة كما فعل بعض الباحثين من قبلي في الجزائر( محمد لعقاب2000 ، بوعمران كربوسة2005 ) لأسبر أغوار هذه الحركة في جوانب لم يسبق أن تعطى نصيبها الكاف، فحاولت بما توفر لديّ من وثائق و مراجع أن أتتبع مسارات هذه الحركة نشأة وتكوينا وفلسفة ومنهاجا، قبل أن أصل إلى إبراز سمات الدعوة الإيجابية الفعالة من منظور حركة مجتمع السلم، و التي يمكن حصرها في وسطية المنهج وإعتدال المواقف.
الحركة الإسلامية في الجزائر: أفكار ومرجعيات
جمعية العلماء المسلمين الجزائريين:
أو ل جمعية رسمية بعد المقاومات الشعبية للإستعمار الفرنسي، التي اهتمت بالتعليم و التربية كمدخل للمحافظة على الذات الإسلامية، و إصلاح المجتمع. تأسست سنة 1931 بنادي الترقي بالعاصمة الجزائرية، و قد ضمت نخبة من علماء الجزائر حينذاك، من أمثال الشيخ عبد الحميد بن باديس(1868-1940) (يدقق التاريخ من موقع الشهاب)، البشير الإبراهيم)، مباريك الميلي، وغيرهم، اهتمت بإنشاء المدارس القرآنية و الزوايا حفاظا على الحرف من الإندثار في خضم الهجمة الشرسة للإستعمار الفرنسي على كل مقومات الشخصية الجزائرية.
جمعية القيم:
و ضمت بقايا من جمعية العلماء المسلمين وبعض الشخصيات ذات الثقافة العربية الإسلامية، والتزمت خط جمعية العلماء المسلمين.
حركة "الموحدون"( التسمية الأولى لحركة مجتمع السلم):
و هو أول تنظيم شبابي طلائعي، اسسته نخبة من الأساتذة ممن نهلوا من وفود المشرق من أمثال محفوظ نحناح، محمد أبو سليماني، مصطفى بومهدي و غيرهم، و كان لطبيعة الأحداث في الوطن العربي( خاصة ما كانت تتعرض له كبرى الحركات الإسلامية أنذاك، جماعة الإخوان المسلمين تأثيرا على ثقافة المؤسسين، و الذين وجدوا أنفسهم يتفاعلون مع أفكار هذه الجماعة، دون سبق اتصال، إلا أن تيسر لثلاثي التأسيس السفر إلى القاهرة، فكان الإحتكاك المباشر الذي ولد رابطة فكرية بين الجماعتين، و التي تطورت مع الزمن إلى رابطة تنظمية.
جماعة "الجزأرة" البناء الحضاري:
أو ما يطلق عليها اسم الإسلام المحلي، فبرغم من أن مؤسسي هذه الجماعة من الطلائع الأولى للعمل الطلابي بالجامعات، غلا أنه لم يعرف لهم كيان أو ذاتية مستقلة في الساحة الإسلامية إلا ما بعد أحداث 1982، أما قبل ذلك فجل المؤسسين سبق لهم أن اقتربوا من تيار جماعة الإخوان المسلمين بالداخل أو الخارج، أو التزموا حلقات مالك بن نبي، والتي لا يمكن أن توصف بتجمع ذا بنية فكرية، حيث الندوات كانت مفتوحة للجميع دون تنظيم أو هيكلة، إلى أن أسسوا جماعة ثقافية سميت باسم البناء الحضاري، ثم التحقوا بالجبهة الإسلامية للإنقاذ قبل أن تتحول إلى السرية، ليدخلوا مرحلة السرية و العمل المسلح بعد حل الجبهة.
جماعة الشرق ( حركة النهضة سابقا و حركة الإصلاح و النهضة حاليا):
و اكثر ما عرفت به هذه الجماعة باسم جماعة الشيخ عبد الله جاب الله، و كانت بدايتها في منتصف السبعينات بالجامعة، وكان لعبد الله جاب الله صلات بجمعية بأعضاء من جمعية الموحدين إلى أن أنفصل عتنه، فأنشا حركة النهضة كجمعية خيرية قبل أن تتحول غلى حزب سياسي، إختارت الحركة بعد ذلك اسلوب المشاركة مما جعله ينقم على الخط العام الجديد فإستقال – أقيل- و خرج من النهضة ليؤسس حركة الإصلاح التي تؤمن بالمشاركة الجزئية ( أي البرلمان دون الحكومة)
الجبهة الإسلامية للإنقاذ:
و هي حزب سياسي جاء به دستور فبراير 1989، فهي جبهة بكل ما تحمل الكلمة من معنى ضمت بين صفوفها السلفي و المحلي و الإخواني المحلي و الوطني و المستقل، فهي خلطة فكرية كان يغلب عليها الطابع السلفي الجهادي، رغم أن رئيسها الدكتور عباسي مدني(1931) أستاذ جامعي سبق له أن شارك في الثورة التحريرية ضد الإستعمار الفرنسي ، و هو شخصية فكرية مستقلة، جاء ميلاد الجبهة الإسلامية للإنقاذ استجابة لضغط الشارع ومفاجئا لرموز الحركة الإسلامية الذين كانوا قد اجمعوا أمرهم على إنشاء مرجعية دعوية موحدة لكل أطياف الحركة الإسلامية.
رابطة الدعوة الإسلامية:
و هي محاولة من طرف رموز التيار الإسلامي للملمة الصف، و إيجاد مرجعية دعوية لكل أبناء الحركة الإسلامية، و قد كان للشيخ محفوظ نحناح سبق الدعوة والإعلان لهذه الهيئة الجامعة، و قد ترأسها الشيخ أحمد سحنون، فعملت الرابطة كإطار توفيقي بين مختلف الفصائل الإسلامية قبل ان يجرفها تيار الجبهة، الذي انفرد بالساحة و أعلن إضرابه السياسي مايو 1991 دون أي استشارة و هذا ما جعل جمع الدعاة ينفض من هذه الرابطة التي أصبحت تابعة بعد أن كانت متبوعة.
هذه أهم الحركات الدعوية التي عُرفت في الجزائر وكان لها التأثير في مجريات الأحداث وتغيير الأفكار، هذه الحركات سارت في خط واحد وقتا كبيير فرضتها عليها الظروف، وبعد الانفتاح اتخذت كل حركة طريقها الدعوي في الساحة، يتضح لنا في العنصر التالي:
تاريخية الدعوة الإسلامية وموقع حركة مجتمع السلم منها:
نشأت الدعوة المنظمة بالجزائر على يد ابن باديس رحمه إبان الاستعمار الجزائري فقد أنشأ وصديقه البشير الإبراهيمي جمعية العلماء المسلمين، أول حركة إصلاحية بالجزائر وكانت تقوم على الدعوة والتربية، وامتد النشاط ليشمل كل جوانب الحياة في مراحل تتصف بالتطور إلى أن وصلت الدعوة إلى الشكل الذي نحن عليه.
فكل حركة إسلامية في الجزائر تعتبر نفسها امتدادا لجمعية العلماء المسلمين الجزائريين، والتي كانت تعتبر رافدا لجميع التيارات الإسلامية التي ظهرت بعد الاستقلال. وهذا أمر لا يختلف فيه أحد فإننه يمكن القول أنها الحركة الوحيدة الإسلامية التي كانت تتصدر الموقع إبان الاستعمار. أما حركة مجتمع السلم فهي تعتبر نفسها وريثة الجهد الإصلاحي لجمعية العلماء. ويمكن تقسيم مراحل الدعوة بالجزائر إلى المراحل التالية.
المرحلة الأولى: مرحلة النشأة والتأسيس
أولا: قبل الاستقلال
السمة البارزة للدعوة في هذه المرحلة هي الاهتمام بتوعية العنصر الجزائري بواجباته الإسلامية، نتيجة سياسة التجهيل التي اتبعها الإستعمار، وكان المنطلق حماية الثقافة العربية الإسلامية من ثقافة الوافد المستعمر، فأنشئت الكتاتيب و الزوايا و المدارس العربية لمواجهة الإستعمار و ثقافته الدخيلة. وقد كان للجمعية، الأثر الكبير في شخصية مؤسس حركة مجتمع السلم الشيخ محفوظ نحناح، الذي تشرب مبادئ اللغة العربية في مدرسة من مدارس الجمعية، وكان لأحد مشايخ الجمعية ممن تتلمذ عليه أثر طيب عليه، الا و هو الشيخ محفوظي. فلا عجب إذا أن نجد مبادئ و قيم الجمعية مبثوثة في شخوص المؤسسين
ثانيا: بعد الاستقلال
بعد الاستقلال، بدأت كوكبة من العلماء والمثقفين في مد خط الدعوة إلى الأمام بعد أن مُنعت جمعية العلماء المسلمين من مواصلة نشاطها، فتنوعت في ذلك اجتهادات الدعاة، فبينما استمر البشير الإبراهيمي في خط جمعية علماء المسلمين، وقد تصادم مع الدولة انتهى به الأمر إلى الإقامة الجبرية سنة 1964م؛ اتجه الشيخ الدكتور الهاشمي التيجاني إلى تأسيس جمعية القيم بتاريخ 09/05/1963، مع ثلة من أعضاء الجمعية وشخصيات فكرية مستقلة ذات المنزع الإسلامي، ولم يلبث النظام القائم آنذاك طويلا ليدرك المنزع الإصلاحي لهذه الجمعية فحلها النظام الحاكم سنة 1966م (قيرة، 2002، ص163)، وهكذا استمرت الدعوة بشكل فردي غير منقطع يصب فيها كل من مالك بن نبي الذي لجأ إلى مصر في الخمسينبات فأفاد واستفاد من الفكر المشرقي، وكان أول كتابته في المهجر مشكلة الأفكار في العالم الإسلامي، ومؤتمر باندونغ(العربي، 1998، ص28)، ومحمد محفوظي الذي أصدر جريدة المنار (عزيز، ص28).
وكان لإنفتاح الدولة على المشارقة تحديدا مصر وسوريا والعراق وفلسطين دورا مهما في عملية البعث الدعوي، فقد اهتمت وزارة التربية بجلب هذه الكفاءات من المشرق فكان منهم الدعاة والمربون، وكذلك سعت وزارة الأوقاف (قبل أن تتحول إلى وزارة الشؤون الدينية) إلى دعوة الدعاة من تلك البلاد فلبى هؤلاء حاجة الشعب المتعطش لمعرفة المزيد من العلوم الإسلامية والحفاظ على اللغة واللسان العربي في الجزائر (عزيز، 53) و في هذا المجال يذكر الفضل للشيخ محمد متولي الشعراوي وكوكبة من علماء الأزهر، الذين كانوا يديرون حلقات العلم، التي استقطبت إليها صفوة من الشباب المثقف، كان من بينهم مؤسسي حركة مجتمع السلم الذين توطدت علاقاتهم بهذه النخبة، وازدادوا إطلاعا على تجارب إخوانهم الدعوية، فأفادوا منها ومن الرحلات إلى المشرق خصوصا مصر كنانة الله في أرضه. ( أول رحلة للمؤسسين كانت إلى القاهرة، وضمت كل من الشيخ النحناح مع الشيخ الشهيد أبو سليماني، والشيخ مصطفى بلمهدي سنة 1972 (عزيز، ص 53)

المرحلة الثانية: مرحة المعارضة
في منتصف السبعينات بدأت الدعوة تتجه نحو الإعلان والرفض للواقع الفاسد، والمعارضة في عهد الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين في توجهاته العلمانية الاشتراكية، ففي هذا الوقت أسس الشيخ محفوظ نحناح –رحمه الله- عام 1976 جماعة الموحدين والتي كان من أعضائها الشهيد محمد أبو سليمان، وأول ما قامت به جماعة الموحدين -الاسم الأول لحركة مجتمع السلم- معارضة دستور البلاد الذي جاء به الرئيس الجزائري الأسبق هواري بومدين، فقد بعثت الجماعة برسالة شديدة اللهجة إلى الرئيس بومدين بعنوان " إلى أين يا بومدين ؟ " ومما جاء في البيان: "لا للاشتراكية، لا للشيوعية المستترة وراء القمصان الخضراء، لا للدكتاتورية البروليتارية،، لا للميثاق الذي كتبته أيدي معروفة بخيانتها وانتماءاتها وولاتها للشيوعية، لا للميثاق الذي يراد به تثبيت نظام غير شرعي… نعم للإسلام منهج حياة، نعم للإسلام دستورا ونظاما اقتصاديا نعم للإسلام حقوقا وواجبات ومحاسبة…"(عزيز، ص 63) بعد هذا البيان ومناوشات قامت بين رجال الأمن و رجالات حركة الموحدين، تم القبض على جل عناصر الحركة، واقتيد الجميع إلى السجن وكان على رأسهم الشيخ محفوظ نحناح. وحكم عليه بالسجن خمسة عشر عاماً بعد أن تعرض ومن معه لألوان التعذيب الوحشي ، لإرغامه عن التراجع عن موقفه ضد الاشتراكية العلمانية ، ولكنه أبى وازداد تشبثاً واقتناعا بموقفه.وبعد وفاة الرئيس هواري بومدين ، و بعد الزلزال المدمر الذي ضرب مدينة " الشلف" (120 كم غرب العاصمة) والتي كان مسجونا فيها اطلق سراح الشيخ محفوظ عام 1980 بعد خمس سنين أمضاها في سجون الظالمين. (المنار، 1424، 72)
وفي مطلع الثمانينات، وبعد أن تغير المشهد السياسي في الجزائر بمجيء الرئيس الشاذلي بن جديد، شهد العمل الإسلامي دفعا قويا وازديادا ملحوظا في عدد المنتسبين للصحوة الإسلامية، و نتيجة لنسمات الحرية السياسية التي بدأن تدب في المجتمع و إزدياد الوعي الجماهيري، قررت مختلف تيارات الحركة الإسلامية تبنيت فكرة الخروج بالدعوة من أسوار الجامعة و الجامع إلى الشارع فكان الإتفاق على تجمع الجامعة المركزية لسنة 1982 والذي شاركت حركة مجتمع السلم في تحضيره، و أشرف الشيخ محفوظ نحناح على صياغة البيان الختامي الذي حمل أربعة عشر مطلبا للإصلاح، و تم إعفاء محفوظ نحناح من الحضور العلني للتجمع نتيجة حداثة خروجه من السجن، و ضمانا لإستمرارية الدعوة الإسلامية في حالة إعتقال الدعاة الفاعلين في الساحة. فكان التجمع في يوم جمعة ،وشهد حشدا كبيرا من شباب الحركة الإسلامية بجامع الجامعة المركزية، و لقد واجهت قوات الأمن المتظاهرين بالغازات المسيلة للدموع وخراطيم المياه، أعقب ذلك حملة غعتقالات واسعة في صفوف الرموز الدعوية الذين وجدوا أنفسهم بين غياهب السجون و الإقامة الجبرية، مما دعم الطرح الجهادي الذي بدات نواته الأولى منذ نهاية السبعينات والذي وجد في رعونة النظام وسياسته التسلطية، مناخا خصبا لجذب الناقمين على النظام، ومنذ ذاك التاريخ برز منهج التغيير بالقوة ( العمل المسلّح)، ويمثّل الشيخ مصطفى بويعلي يرحمه الله ( وهو أحد ضباط الثورة التحريرية) أول زعامات التيار الجهادي حيث قام بعمليات مسلحة ضد النظام القائم إلى أن قتل في كمين عام 1987.
وهو أول عمل مسلّح ظهر في الجزائر من طرف داعية من أبناء الحركة الإسلامية، وما قام به كان انفراديا ولم يكن عن تشاور، ولم يقبل نصيحة الشيوخ؛ فقد نصحه الشيخ محفوظ نحناح فقال عنه: "لقد كان لنا معه صلات بالفعل وكان له أصحاب يسيرون معه أناء الله وأطراف النهار، ونحن نصحنا لله واستنكرنا فكره وتوجهاته وحمله للسلاح وقلنا بالحديث الشريف (ليس منا من حمل السلاح علينا)، (لايحل لمسلم أن يشير إلى أخيه بحديدة)، والشيخ سحنون طرده من بيته، أما الأستاذ عباسي فقد قال عنه في مسجد القصبة من حمل السلاح علينا فهو كافر" (إبراهيم،1995، ص16)
المرحلة الثالثة: مرحلة التكوين
وبعد المحن التي أصابت الحركة الإسلامية، واحتكار السلطة الجزائرية للحياة السياسية اتجهت حركة مجتمع السلم، مرة ثانية نحو العمل السري تعبيرا عن رفضها لهذا الاحتكار. (النحناح، 2001)
واتسمت الدعوة في هذه المرحلة بالتركيز على نشر الفكرة وعدم الاهتمام بالمظاهر الجالبة للنظر، وتوسيع القاعدة الجماهيرية بالتحرك الواسع في الأحياء الشعبية والقرى، كما كانت تركز على إنشاء "نواة" صلبة للعمل طويل النفس في المدن الكبرى، وفي نطاق الجامعات فإن الدعوة ركّزت على عمل قاعدي ببرنامج واضح، أما في المجال العام ساهمت الحركة في بناء المساجد الحرة، وتوجيه وتكوين الخطباء والوعاظ.(عزيز، ص39)
واستمر الوضع على ما عليه إلى أن جاءت أحداث أكتوبر 1988، وفتح الباب أمام التعددية السياسية، وظهر معسكران، المعسكر الأول ويظم الحركة الإسلامية بكل أطيافها، و المعسكر العلماني الديمقراطي بكل أطيافه، الأمر الذي فرض على الحركة أن تأخذ زمام المبادرة في الدعوة، فنظم الشيخ محفوظ نحناح مع جمع من الدعاة أول مهرجان إسلامي بعد شهرين من أحداث أكتوبر وذلك في شهر ديسمبر بقاعة حرشة حسان بالجزائر العاصمة حضره آلاف من المواطنين وكان هذا التجمع بمثابة الشرارة التي أضاءت الساحة وأخرجت الدعوة الإسلامية من المسجد إلى رحاب الساحات والقاعات. (إبراهيم، 1995، ص17)
ومن حينها بدأت أنواع التيار الإسلامي تتمايز، ففي فبراير 1989 أسس عباسي مدني الجبهة الإسلامية للإنقاذ رفقة علي بن حاج دون استشارة سابقة لبقية الرموز الدعوية الحاضرة في الساحة. في مسجد السنة في باب الواد بالعاصمة، وفي مارس ثم الإعلان عنها رسميا في مسجد ابن باديس بالقبة وكان الشيخ عبد الباقي صحراوي رحمه الله هو من أعلن عن تأسيسها.(الطويل،1998، ص19)
ونادى الشيخ محفوظ نحناح من علا منبر الأبيار بيوم الجمعة من شهر نوفمبر 1989، بضرورة إنشاء رابطة للدعوة وعلى رأسها الشيخ أحمد سحنون أحد بقايا جمعية العلماء المسلمين الجزائريين (عزيز، 41)، وقد صاحب النداء الإعلان عن إنشاء جمعية الإرشاد والإصلاح، وقد كان الشيخ محفوظ أول رؤسائها، ثم قادها الشيخ أبو سليمان إلى أن مات شهيدا رحمه الله (إبراهيم، 1995، ص17).
المرحلة الرابعة: مرحلة المشاركة
بعد تفاقم الأحداث واشتداد الأزمة وظهر الفتن، وجدت الحركة نفسها في موقع يجب أن تظهر ككيان كامل مكتمل فأعلنت الحركة عن نفسها بتأسيس حركة المجتمع الإسلامي (حماس) في ماي 1991 بعد مؤتمرها التأسيسي المنعقد في 29/5/1991 بقيادة الأستاذ محفوظ نحناح.(الهماز، 1996، ص73). ورأت الحركة أن البقاء بعيدا عن العمل السياسي في وقت نشطت فيه كل الحركات الهدامة علانية؛ يجهض مشروع الحركة الإسلامية، كما يجهض أهم أهداف الحركة المتمثلة في قوله تعال )ادع إلى سبيل ربك بالحكمة(، وقوله تعالى )قل لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالته( ، وثمة هدفين آخرين ذكرهما الشيخ نحناح (إبراهيم، 1995، ص243،244) أولها: أن الحركة لا يمكن التأكد من قوتها وحيويتها واستمرارتها إلا خلال عرضها على أشعة الشمس، وثانيها، إن حالة ظهور الحركة هي التي تضعط عل صناع القرار في أي موقع أن يعطوا لهذه الحركة حجمها الطبيعي. وتوالت الأحداث و دخلت الجزائر في دوامة العنف المتابدل بدءأ من سنة 1992 بعد إلغاء نتائج الإنتخابات التشريعية، و التي حققت فيها الجبهة الإسلامية فوزا باهرا، واتجه الطرفان – النظام القائم آنذاك، ومكونات الجبهة الإسلامية للإنقاذ- إلى التدافع بالحراب و السنان، وانكفأت الساحة السياسية، فلا صوت أصبح يعلوا عن صوت النار و الدمار، وناءت الحركة بنفسها أن تكون وقودا لنار مستعرة، فاختارت النصح لجميع الأطراف وتغليب مصلحة الوطن عن مصلحة الحزب أو الجهة، فكانت الدعوات تترى لضرورة حقن الدماء و الجلوس لطاولة الحوار، و بقيت منافحة عن هذا الخط، و ساهمت في كل ما من شانه أن يعيد الأمن و الإستقرار، فكان دخولها لرئسيات 1995 خير معبر عن هذا التوجه ففاجأت الحركة جميع الحركات الإسلامية والعالم كله حين رشّحت الشيخ محفوظ نحناح للمشاركته في انتخابات الرئاسة الجزائرية عام 1995 مقابل الأمين زروال، وحصل على ثلاثة ملايين صوت، حسب الإعلان الرسمي لها، ولكنه في الواقع تجاوز هذا الرقم بكثير، ولكن الجنرالات الحاكمين في الجزائر زوروا الانتخابات، وزعموا فوز منافسة الأمين زروال. (المنار، 1424، 72) ، وكان الهدف المهم من ترشيح الشيخ نحناح للرئاسة هو الحفاظ على وحدة الشعب وهويتها (إبراهيم، ص120)

حركة مجتمع السلم
وظل اسم حركة المجتمع الإسلامي"حماس" حوالي ست سنوات إلى أن فرض التعديل القانوني(6/3/1997) على جميع الأحزاب عدم استعمال مكونات الشخصية الوطنية ومنها الدين الإسلامي في تسمية الأحزاب باعتبار أن الإسلام للجميع، فوضعت الحركة في امتحان، فإما تترك المجتمع وتنعزل ساحة المشاركة، أو تتكيف مع هذا القانون تكييفا إيجابيا بعيدا عن التشنج الإداري المقصود، خطها ومنهجها فاستبدلت كلمة الإسلام برديفتها وهي "السلم" فكان الاسم هو حركة مجتمع السلم. (المؤتمر الثاني، 1998، ص7)، وفي هذا يقول الشيخ نحناح: "إننا لم نتعنت في تغيير اسم حركة المجتمع الإسلامي إلى حركة مجتمع السلم رغم الضغوط الإدارية وإكراهات وزارة الداخلية ونعتقد حازمين أن السلم قيمة عليا وتطلع شعبي وعالمي ومطلب إنساني بغية الوصول إلى الاستقرار قاعدة تنمية والازدهار وتطويق بؤر التوتر وعلاجها بالهدوء والرفق وغرس ثقافة السلم وتقبل الآخر وفتح باب الحوار.." (نحناح، 2001)
نبذة عن مؤسس الحركة:
مؤسس حركة مجتمع السلم الشيخ محفوظ نحناح رحمة الله، ولد سنة 1942 بمدينة البليدة، والتي تقع على بعد 50 كم جنوب العاصمة في بيئة إسلامية محافظة وفقيرة، وتعلم اللغة العربية في المدرسة الإصلاحية العربية (مدرسة الإرشاد) التي كانت تمثل رمز المقاومة والدفاع عن شخصية الجزائر العربية الإسلامية، أمام سياسة الفرنسة، وعاش إرهاصات الثورة الجزائرية وهو فتى، وعندما نشبت الثورة التحريرية الكبرى عام 1954 انضم إليها ، وشارك فيها.أكمل تعليمه الثانوي في الجزائر، والتحق بكلية الآداب – قسم اللغة العربية في الجامعة الجزائرية عام 1966.(المنار، 1424، 72.) ليتخرج منها ثم يسجل بقسم الماجستير في مصر، وهو من الثلة الأولى الذين ساهموا في فتح مسجد الطلبة، وهو أول من أم صلاة الجمعة وحضر الصلاة إثنا عشر شخصا منهم الشهيد أبو سليماني، ومالك بن نبي (إبراهيم، 1995، ص 7)، عرف عنه تمسكه باللغة العربية، وكان من الداعين لتشمل اللغة العربية كل فئات التدريس و حتى الجامعة.اشتغل بالتدريس مدة من الزمن فكان أستاذ مادة التفسير بالمعهد العالي لأصول الدين قبل أن يتفرّغ إلى الدعوة، كان له حضورا قويا داخل مفاصل الحركة الإسلامية داخليا وخارجيا، فكان رائدا في خط المعارضة، قبل أن يتحول إلى زعيم المشاركة السياسية، اقتبس ممن سبقوه ففهم وطوّر ولم يجمد، عرفته المنتديات المختلفة، تأسيسا و مشاركة وتفعيلا، لم تلن له قناة في القضايا المصيرية، دافع عن الدولة الجزائرية و اختلف مع ساستها، كان جسرا للتقريب بين التيار القومي الإسلامي، رفع شعار الصلح مع الله و الوطن و الحكام و التاريخ، استقبلته المدن و العواصم استقبال العظماء، و بكته المنابر و الساحات قبل أن تدون سيرته العطرة بأقلام أفذاذ هذه الأمة، علماء و دعاة وسياسين هالهم الفراق . كان رحمه الله ذا همة عالية لا تستوقفها الصغائر، أتي سرعة البديهة، فكانت إجاباته السريعة و المقتضبة ذات دلالات استوقفت الشراح، بلاغته و حسن بيانه و لين جانبه، جعلت كل من اقترب منه أحبه، أحب الإسلام و أحب اللغة العربية و احب الصالحين÷ وبحبهم أحبته الجماهير التي شيعته في جو مهيب، في جنازة لم تعلاف لها الجزائر إلا مثلا واحد و هي جنازرة الرئيس الراحل هواري بومدين، أجمع الجميع أنه كان رئيسا دون رئاسة، فلهذا عرفه إخوانه و أحباؤه بالشيخ الرئيس.

فلسفة الدعوة في حركة مجتمع السلم:
تتميز مدرسة مجتمع السلم بالحوار، وروح التسامح والاعتدال، والمسالمة، والتناصح، والدعوة إلى المشاركة السياسية بدل الصراع بين الحاكم والمحكومو الذي ميّز علائق الإسلاميين بالأنظمة العلمانية الثورية في الوطن العربي الكبير، في مصر، وسورية، والعراق، وليبيا، وتونس، والجزائر، ويعتبر الشيخ محفوظ النحناح أن سبب الأزمة الإسلامية هو غياب الحوار بين المسلمين في جميع الحالات (نحناح، 1999، ص 17)
وقد دعا الشيخ محفوظ إلى التعاون، والتوائم، وتجميع الطاقات المختلفة، والاتفاق ولو على الحدود الدنيا، والعمل على إيجاد قواسم أو جوامع مشتركة مبنية على الصراحة والحوار الحر البناء (المنار، 72، العدد 72)
وركزت الحركة على أوليات المرحلة(نحناح، 2001) وتكمن في نقطتين:
1- الحفاظ على الدولة والمصلحة العليا للوطن.
2- الحفاظ على أمانة الشهداء وهوية الشعب الجزائري.
وتقوم الحركة الإسلامية على شعارها الثلاثي: العمل، والعمل، والعدل (نحناح، 2001)، ويُقصد بالعلم الشرعي، والدنيوي، والهدف من الأخذ بالعلم في نظر الحركة هو كون هذا العصر عصر العلم وأنه لا يمكن لأي تحول حاد في جميع المجالات أن يتم دون علم. وكذلك رفعت الحركة شعار العلم كضرورة للتقدم والازدهار وذلك رجوعا بالمجتمع إلى العمل بعد أن أعجزه الأنظمة السابقة موهمة إياه أن الجزائر غنية فلا حاجة إلى العمل والحركة إيمانا جازما أنه لا يمكن القضاء على الفقر إلا بالعمل، وإن كان العلم هو الحل فكذلك العمل ثنائية لا انفصام بينها.
وأما الشعار الثالث وهو العدل وذلك أساس الحكم العدل، وتسعى الحركة إلى الدعوة إلى العدل بين جميع المواطنين فهم في نظر الحركة متساوون أما الواجبات والحقوق والعقوبات والفرص.
منهج الدعوة
إن دعوة حركة مجتمع السلم دعوة شاملة وطنية في ممارستها عالمية في توجهاتها وتطلعاتها، تسعى إلى تحقيق غاية رسالة الله إلى الناس وهي إسعاد البشرية في الدارين الأولى والثانية، وتقوم على مناهج أساسية في الدعوة هي:
منهج القبول لا منهج الإقصاء:
ترى الحركة أنه من الضروري التواصل بين مختلف شرائح الشعب الجزائري، واعتماد الحوار والانفتاح والتعاون، ورفض فكرة الاستئصال لأي جماعة ومهما كان فكرها، واعتمدت الحركة على أن الإسلام جامع لكل الطوائف ولهذا كان من ثوابت الحركة، الإسلام العربية والأمازيغية، ولم تفرق الحركة في الحوار ببين أبناء الحركات الإسلامية الأخرى، ولا بين اليساريين أو المتفرنسين أو القوميين. فالتزمت الحركة ثقافة الحوار في المجتمع الجزائري منذ كانت غير مقبولة لد الإسلاميين، فقد دعت الدعوة إلى الحوار منذ سنة 1990.
وقد جر هذا المنهج على الحركة متاعب كثيرة، فاتهمت بالعمالة ولقي مؤسس الحركة أنواع العنت ، وكيل من التهم إلى درجة محاولات القتل، وفعلا قتل ذراعه الأيمن الشيخ أبو سليماني بعد 50 يوما من اختطافه وقد اختطف يوم الجمعة 26/11/1993. (عزيز، ص 47) . فلم تؤثر وفاته في سير الحركة، وكان ردها مخيبا لآمال الفئة الباغية لأن الدعوة هي دعوة رب العالمين وليست دعوة أبو سليماني، وامتثلت قوله تعالى: ) وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفئن مات أو قبل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا، وسيجزي الله الشاكرين(آل (عمران: 144)
وكما واجهت الحركة ردودا وتحرشات بداخل الجزائر، فإنها لم تسلم من الطعن والشتم خارج البلاد، ولا أدل من ذلك مما تعرض له الشيخ محفوظ نحناح في بريطانيا و أمريكيا من استفزازات و هاترات بغرض التشويش عليه و على منهجه. يقول الشيخ راشد الغنوشي في هذا المضمار: "ولا زلت أذكر صلاتي الجمعة في المسجد المركزي بلدن خلال عام 1995 مع الشيخ وماراعني – وقد تخلفت قليلا عن الشيخ لأسلم على بعض الأصدقاء – ونحن ندلف وسط جموع غفيرة من صحن المسجد إلى خارجه إلا وجمع من الشباب يلتف حول الشيخ صارخا في وجهه ثم ما لبث أن وجه إليه أحدهم لكمة كادت تفضي إلى كارثة لولا تدخل بعض العقلاء للحد من غلواء أولئك المتطرفين…"(الشرق الأوسط، )
ولكن هذا المرحلة لم تدم فإن الكثير ممن كان معارضا لخط الحركة جاء معتذرا ومعترفا بخطأه، ومعترفا للشيخ نحناح بقوة شخصيته وإيمانه ووطنيته وصدق اسلامه. (إبراهيم، 1995، ص56)

منهج الإصلاح لا منهج التخريب:
وهو التقرب إلى الشعب عن طريق بناء الدولة، فترى حركة مجتمع السلم أن تتجه إلى إصلاح المجتمع لا إلى تخريبه وتمزيقه ولهذا رفضت كل أشكال العنف والقتل لأي جزائري كان ولو كان يساريا أو متفرنسا. مستأنسة في ذلك على كون الإسلام دين الرحمة والهداية، ودين التوحيد لا التفرقة.وأن منهج الرسل من قبل لم يعرف عنفا، وما حدث من عنف فهو استثناء ومن بعض الانبياء وعددهم محدود مثل إبراهيم عليه السلام الذي كسر الأصنان الآلهة، وموسى مع بعض قومه ومع أخيه أو داود مع قومه. (إبراهيم، 1995، ص165)
فجعلت من الصبر نبراسا تتظلل به في الدعوة وأن الحلم وسيلة في رد الجهلة وعفت عن نفسها من التخريب لذا لم تدخل الحركة في دوامة العنف التي أصابت جسد الجزائر، فالتزمت الصبر عند خروج الكثير في مظاهرات 1988، بل ساهمت في تهدئة الأوضاع المتوترة حينها، ولم ترد على مقتل الشيخ أبو سليماني، ولم تلطخ يدها بالدماء التي سالت في الجزائر، وارتأت أن تتخذ منهج البناء لا الهدم ومنهج الإصلاح لا منهج الإفساد.
ففي أكتوبر فإن الحركة التزمت بضبط الشباب في عدم الخروج للمظاهرات بعد أحداث 5 أكتوبر 1988. بل كانت واضحة في رؤياها فقد صرح الشيخ بوسليماني رحمه حينها - وقد كان الشيخ محفوظ نحناح في سفر خارج الوطن- بقوله: "نحن لا ندخل في معركة خطّط لها غيرنا ولا ندخل في موجهة ولا نستعمل العنف.."(عزيز، ص 91)
منهج التدرج لا منهج القفز
العمل الإصلاحي الإسلامي، فالعقل السياسي لدى حماس يتم على أساس من المرحلية وعدم التعجل أو القفز حيث ضرورة العمل على تجسيـر العلاقات مع فئات المجتمع كافة والسلطة كجزء من السعي نحو إقامة أسس الدولة الإسلامية وإرسائها.(هماز، 1996،ص72) ومن قبلت بالنتائج الأولى والتي كانت نتائج فيها مهزلة في نظر الآخرين، وقبلت تغيير اسم الحركة، كما قبلت كذلك منعها من ترشيح رئيس الحركة للرئاسة الدولة بحجة أنه لا يملك وثائق مشاركته في الثورة الجزائرية. إن أمرا واضحا من أدبيات الحركة وآلياتها في الدعوة وتحركاتها هو أنها تحمل قضية لا تقبل المساومة ولا تقبل المتجارة فيها إلا مع الله تحقيقا لقوله تعالى: )إن الله اشترى من مؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة( التوبة: 112
منهج الدعوة
برنامج العمل للحركة وإنجازاتها
إن دعوة حركة مجتمع السلم دعوة واقعية، وهي تكره طريقة العنف والفوضى في سيرها إلى تحقيق الأهداف، فإنه من اللزوم الأكيد أن كل دعوة تريد أن ترقى بنفسها إلى مستوى الإنتاج الكبير المفيد لابد أن تنتظم تحت فكرة موحدة سليمة في إطار تنظيم محكم متكامل من أجل تربية صحيحة ودعوة صادقة وفهم لواقع حقيق، ولتحقيق هذه المقاصد الشريفة فإن الحركة وضعت لنفسها برنامج عمل في هذه المحاور:
المحور الأول: الدعوة والتبليغ:
إن أخص خصائص الحركة والذي من أجله أنشأت هو دعوة الناس إلى الله تعالى لفهم الإسلام فهما صحيحا مبينا على أساس القرآن والسنة وتجارب الدعاة والعلماء، لقيادة حركة لبناء بناء إسلاميا صحيحا وتوعيتهم إلى حاجة اتباع الإسلام في شؤون الحياة كله.
واتخذت جميع أشكال الدعوة والتبليغ والمتاحة، فكانت تقيم الدروس بالمساجد والبيوت خاصة أثناء الولائم والمآدب والمآتم والأعراس ، وكان الشريط الإسلامي المسموع منه والمرئي الوسيلة البديلة عن الإعلام بما يحمل من دروس وأناشيد إسلامية هادفة.
المحور الثاني: التنظيم والتربية
تقوم حركة مجتمع السلم بفتح المجال لكل محب للإسلام ومخلص لله، فتلتقي جميع الفئات على فهم الإسلام الصحيح من مراجعه الأصيلة، ويتم ذلك عن طريق برامج تطبيقية عملية متدرجة، وفق خطوات مدروسة وبوسائل معلومةكإقامة المخيمات والدورات وتوزيع البرامج الموحدة، كلكل الفئات دون تميز لفئة عن أخرى ، فلذلك تجد قد انتظم في هذه الحركة الشاب و الشابة، والرجل و المرأة، كبارا وصغار، اساتذة و طلبة، اغنياء و فقراء جاؤ من ربوع الوطن المختلفة، تجمعهم كلمة سواء، و هي كلمة الله، زمن جمعته يد الله فلن تفرقه يد الشيطان.

المحور الثالث: إصلاح المجتمع والاهتمام بقضاياه
تسعى الحركة لرفع مستوى الشعب والدولة عن طريق الخدمات والنشاطات الاجتماعية والخيرية وتقديم المساعدات للمحتاجين والمتضررين وترويج الثقافة السليمة وإصلاح أخلاق الناس على ضوء القيم الإسلامية، وتسعى إلى تنظيم الشعب لمكافحة النشاطات المعادية للمجتمع بأساليب مناسبة وملائمة.
لهذا كان للحركة المشاركة الإيجابية في محو الأمية وتعليم اللغة العربية للمفرنسين في الإدارات الوطنية وتعليمها للأئمة وكذا رجال القضاء والأمن.
ومن المنجزات التي تكتب للحركة في هذا المجال بعض الأعمال الاجتماعية منها: فتح الورشات كالتدبير المنزلي، وفتح دور الحضانة وتقديم المساعدات للعائلات المحرومة، والقيام بزيارات لمراكز العجزة والمستشفيات، ومساعدة الناس في الكوارث الطبيعية، والدعوة إلى الحملات التطوعية للتبرع بالدم. (عزيز، ص 115-118)
والدور البارز للحركة في هذا الدور إنشاء الجمعيات الخيرية في الولايات إلى جانب جمعية الإرشاد، فكانت لهذه الجمعيات الدور البارز في إحياء فريضة الصدقة، وربط الجيل الناشيء بالقرآن وحفظه.
المحور الرابع: إصلاح الحكومة والإدارة
إن الحركة تقوم على مبدأ المشاركة لا المغالبة وهى ترى إن إصلاح الحكومة والإدارة لا ينبغي أن يكون من الخارج، بل من الداخل، ولا ينبغي أن يكون عن طريق إملآت من الغير بل الممارسة الصحيحة الطيبة، فمن ثم شاركت مع الدولة برؤية خاصة ترى أن لها نفع على الدولة وعلى المجتمع على حد سواء، ومؤمنة بالديمقراطية كوسيلة لإصلاح الحكومة والإدارة، والديمقراطية في مفهوم حركة مجتمع السلم آلية ووسيلة وليست غاية وعقيدة تسعى إلى تحقيقها.(غليون، 2002، ص309) وأهم مساهمة تقدر للحركة وتحفظ لها أنها حافظت على الدولة الجزائرية ومنعت بنيانها من الانهيار والتفتت والسقوط في وقت تربصت بها الدوائر، وأريد لها أن تعيش في دوامة الفرقة والاختلاف والاقتتال.
المحور الخامس: مناصرة القضايا العالمية
مع أن دعوة حركة مجتمع السلم دعوة نشأت في الجزائر وتعمل لأجل الجزائر إلا أنها لم تغفل أبدا قضايا العالم خاصة قضايا الأمة الإسلامية وعلى رأسها قضية فلسطين فكانت سبّاقة باذلة كل جهد بتعريف الفرد الجزائري بقضية فلسطين، كما ناصرت قضايا العراق والبوسنة وكشمير والصومال، ووقفت إلى جانب شعوب منطقة الخليج بعد أن كان عدوان النظام العراقي على الشعب الكويتي.(عزيز، 45) وكان للمعارضة الإسلامية خاصة في المدارسة والثانويات دور فعال في تعريف الشعب بقضايا العالم الإسلامي، حيث كانت تتخلل هذه المعارض عقد الندوات التربوية والدعوية، ومن المنجزات في مجال الاهتمام بقضايا المسلمين إمضاء شيخ نحناح مع العديد من العلماء وثيقة عدم جواز التنازل عن فلسيطين، وكذلك شاركت الحركة مع وفد من العلماء الذين توجهوا إلى بغداد، لإقناع صدام بالانسحاب من الكويت (إبراهيم، 1995، ص17)، كما كان لها حضورا قويا في مقاومة التطبيع ضمن تجمعات مختلفة كلجنة الحوار العربي الديمقراطي الثوري.
سمات الدعوة الإيجابية من منظور حركة مجتمع السلم:
وفي الختام نخلص إلى أهم الخصائص التي يجب توافرها في الدعوة الفاعلة (الإيجابية).
1- إدراك فقه المكث والإحتساب وذلك بالتريث وعدم الانجرار وراء الأحداث المتسارعة في الساحة.
2- اعلاء خيار الحوار و تفضيله في حل الأزمات المختلفة.
3- تبني سياسة المشاركة الفاعلة، و ذلك بتحمل معانات الشعب ومشاركته أتراحه وأفراحه.
4- التضامن مع قضايا المسلمين و القضايا العادلة وعلى رأسها قضية فلسطين التي تبقى قضية المسلمين الأولى.
5- رفض جميع أشكال العنف و الإقصاء من أي جهة كانت.
6- السعي إلى إعادة الثقة إلى الشعب بنفسه وبدولته وبحكامه ومؤسسات وطنه.
7- الحفاظ على هوية الشعب الجزائر ووطنيته، ومنع التدخل الأجنبي بكل اشكاله –ثقافيا، سياسيا وعسكريا.

المراجع

1- إبراهيم عباسي،1995، الأستاذ محفوظ نحناح رجل الحوار، الجزائر، وحدات عيسات ايدير
2- الطويل، كميل. 1998، الحركة الإسلامية المسلحة في الجزائر، بيروت، دار النهار، ط1.
3- عزيز، الحاج طيب، الشيخ محمد أبو سليمان شهيد الدعوة والوطنية الصادقة، الجزائر، الأمانة الوطنية للتربية والتكوين – حركة مجتمع السلم-.
4- غليون، برهان، وغيره، 2002. مستقبل الديمقراطية في الجزائر، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1.
5- نحناح، محفوظ. 1999، الجزائر المنشودة، الجزائر، دار النبأ، ط1.
6- الهماز، منعم، 1996، بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، ط1
الوثائق
1- خطاب الشيخ نحناح بمناسبة الذكرى العاشرة لتأسيس الحركة 2001.
2- مشاريع أوراق المؤتمر الثاني، 1998، مؤتمر السلم والتنمية. حركة مجتمع السلم. الجزائر

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire