lundi 13 juin 2011

الحرب الإعلامية على سورية: سقوط المواثيق.. والشرف

علي عبادي

ما جرى للسفيرة السورية في باريس بشأن انتحال هويتها وادعاء استقالتها من منصبها من دون علمها قصة تؤشر إلى معان وأبعاد مختلفة.

الخبر بحد ذاته استحوذ على اهتمام غير عادي من وكالات الأنباء العالمية ووسائل الاعلام، فلم يسبق أن "انشق" دبلوماسي سوري في الخارج حتى الآن برغم مرور نحو ثلاثة أشهر على بداية الأحداث في سورية، وما تخللها من ضغوط إعلامية ونفسية جبارة على سورية ومسؤوليها وشعبها.
ونعرف أن هناك مساع تحركها دوائر دولية لاستقطاب مسؤولين سوريين على أي مستوى كان بهدف توهين النظام و"فرط" صفوفه، تماما كما فـُعل في ليبيا واليمن، وأن إحدى الفضائيات العربية المشهورة متورطة في هذا الجهد، وهي تفعل ما بوسعها لتوسيع دائرة التحريض والانشقاق في سورية، منتهكة بنفسها قواعد ميثاق الشرف الذي كانت تتفاخر به على أقرانها.
وتبعاً لذلك، سارعت الفضائيات ووكالات الأنباء الى استثمار خبر السفيرة (لمياء شكور)، وبادرت إلى ترويجه بعد ان اقتنعت وأقنعتنا أنه صحيح ولا غبار عليه. وأعترفُ أنني شخصيا صدقتُ الخبر بعد ان ذُكر في الأخبار العاجلة القصيرة أن السفيرة أدلت بتصريح عن نيتها الإستقالة إلى قناة (فرانس 24) التلفزيونية الفرنسية، وقد فهمنا من ذلك أن التصريح مصور، ولا سبيل إذن لإنكار التصريح إن كان مصورا. وبقيت الأمور "حَيص بَيص" لبعض الوقت قبل أن يتضح أن التصريح عبارة عن اتصال هاتفي بالقناة المذكورة. وفي هذه الحالة، يفترض الواجب الإعلامي أن يجري التأكد من صدوره عن السفيرة من طريق مبادرة القناة المذكورة الى الإتصال بها قبل بث النبأ، وهو أمر لا يستغرق الكثير من الوقت.

وهذا السلوك الإعلامي المتعجل يقودنا الى ان الأمانة الصحفية لم تعد معيارا يُعمل به من قبل تلك الوسائل الاعلامية، وأن التسييس معيار بديل تقتضيه طبيعة المرحلة والغاية المنشودة!
ولديَّ الكثير من النماذج عن تعامل وكالات أنباء مشهورة وفضائيات معروفة مع الأحداث في منطقتنا. فهذه الوكالات تتفنن بصياغة الأخبار بطريقة يُشتمّ منها أن لها موقفا مسبقا مما يجري، حيث تبالغ في التوصيف التجزيئي الفئوي وتأخذ أخباراً مما هبّ ودبّ من دون أن تأخذ مسافة كافية إزاءها، كما تشكك في روايات بعينها وتجحف بحق أخرى. وعلى سبيل المثال، لا تزال وكالة أنباء عالمية معروفة تركز على التشكيك بما تذكره المصادر السورية الرسمية عن مقتل جنود ورجال أمن بأيدي مجموعات مسلحة، وهي تنسب الى مصادر معارضة غير محددة في الغالب أن هؤلاء العسكريين قتلوا بأيدي رفاق لهم بسبب "رفض تنفيذ الأوامر"، ولا تعرض رأيا مخالفا لذلك الا لِماماً. ويتكرر ذكر ذلك في التغطية الإخبارية المستمرة بهدف ترسيخ صورة ذهنية ونمطية معينة عما يجري في سورية. 

ويبدو أيضا أن طريقة عرض الأحداث في سورية مفتعلة في الكثير من مفاصلها، ونذكر هنا بعض الملامح:
أولاً : يتم شحن الأجواء باستمرار، ولا سيما ابتداء من يوم الخميس، حيث تتصدر الدعوة إلى التظاهر في سورية يوم الجمعة تحت عناوين معينة نشرات محطات فضائية معروفة.
ثانيا: الإصرار على إبقاء خبر الأحداث في سورية اولاً، حتى لو كان هناك حدث آخر أكثر اهمية. ومن المفارقات أن تظاهرات يوم النكسة في الجولان وما تخللها من مواجهات وعدد كبير من الشهداء والجرحى، بقيت الخبر الثالث يوم الاحد على إحدى هذه المحطات المعروفة الشديدة التسييس، بينما تقدمتها أخبار سورية واليمن. وهذه المحطة كانت تتفنن في نقل الخبر الفلسطيني، ويبدو أنه لم تعد لها حاجة اليه!
ثالثاً: تكرار عرض صور فيديو تحمل رسالة سياسية محددة والتأكيد على أن الشعار المركزي: إسقاط النظام! حتى ليبدو أن هذا المطلب هو شعار المحطات نفسها. وهي تفسح مجال النشرات واسعاً أمام عرض مضمون الفيديو بالتفصيل المُمل وما فيه من مناشدات وشعارات (يُستخدم فيها الاطفال والنساء خصوصا) بغرض استدرار العاطفة وحمل المُشاهد على اتخاذ "الموقف المطلوب".
وبحسب خبرتي الإعلامية المتواضعة، لم يسبق لي ان سمعتُ او رأيتُ مثل هذا السلوك الإعلامي الغريب، ولكن يبدو أن الغاية لدى بعضهم تبرر الوسيلة. 
رابعاً: تعطيل حس النقد الإعلامي الذي يفترض البقاء على مسافة من الخبر، ذلك ان تطور وسائل الاتصال يتيح التلاعب وتمثيل بعض الأحداث، كما ثبت في مناسبات عدة خلال الأحداث في سورية. ويلاحظ أن عامل التمثيل والإصطناع في هذه التغطية أكبر منه في سورية من أي بلد عربي آخر، وعلى المُشاهد أن يخمن السبب!  

خامساً: الإصرار على أن القتلى في سورية إنما يسقطون برصاص قوات الأمن خلال تظاهرات سلمية. وحتى لو سقط قتلى من رجال الأمن والجيش، فإنهم يقولون إن هؤلاء سقطوا برصاص بعضهم. ومعلوم أن مراكز أمنية في سورية تعرضت لهجمات مسلحة وإحراق وقـُتل العديد من أفرادها، وثمة مجموعات انتهجت العنف سبيلا حتى قبل اندلاع الأحداث الأخيرة، وتجلى ذلك في اشتباكات في السنوات الأخيرة وتفجير مركز أمني معروف في ضواحي دمشق.
سادساً : أضحى "شهود العيان" و"ناشطون" مصدراً موثوقاً لا تـُردّ له رواية، كل ما يقوله يصبح حقيقة وخبراً عاجلاً يتم ترداده من دون أي تمهل أو استعمال لحس النقد الإعلامي. ومرة أخرى، يستساغ كل شيء على حساب الميثاق والشرف الإعلامي ما دام الهدف إسقاط النظام.
 الحرب السياسية والإعلامية التي تُشن على سورية تعجّ بالشبهات وتديرها ألاعيب سياسية أبعد ما تكون عن حسابات الشعب السوري. وبعد كل ما جرى يحق لبعضهم أن يندهش من أن مرامي المخططين لم تتمكن من إحداث فرق أو خرق مهم داخل النظام، 
على غرار ما أحدثته في ليبيا واليمن!
http://www.almanar.com.lb/adetails.php?eid=60626&frid=31&seccatid=171&cid=31&fromval=1

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire