وفاء بودڨيڨة
عظيمة أنتِ يا ثورة !
ففي عهد بن علي نفسه و من قبله بورقيبة مع ما أظمره نظاماهما من عداء للتّدين، في عهديهما ما كان يحلم سينمائي مجرّد الحلم أن ينجز فلما ينكر وجود الذّات الإلاهيّة لكنّ الثّورة قد حقّقت لنا ذلك !!
ثمّ إنّ الفلم في عنوانه الفرنسيّ يستعيض عن كلمة "الرّبّ " بالفرنسيّة الجامعة للإله في كلّ الدّيانات على اختلافها بكلمة "الله" التي تُحيل على "إله المسلمين" حصرا و تخصيصا .
إذا إله المسلمين هو الذي يُنفى وُجودُه بالذّات و دين المسلمين هو المستهدف .
أتفرّج على نشرة الأخبار على القناة "الوطنيّة"، مجموعة تقتحم قاعة السّينما أفريكا احتجاجا على عرض فلم للمخرجة نادية الفاني، طبعا من أعدّ النّشرة نسي ذكر اسم الفلم ولا اسباب هذا الغضب لعرضه.
تظاهرة "نحّي يدّك على مبدعينا" تقابل بنفس الرّفض و نفس العداء.
"ما هذا ؟ لا يُمكنُ أن يكون هؤلاء إلاّ من الثّورة المضادّة التي تريد أن ترجعنا إلى عصر الظّلمات، فقبل الثّورة ذاق التّونسيّون الأمرّين من نظام بن علي الإسلامي الذي فرض على نساء تونس النّقاب و منعهنّ من الخروج إلى الشّارع فضلا عن المشاركة في الحياة العامّة .
أمّا الرّجال فقد فرض عليهم الإسلاميّون منذ الإستقلال إلى تاريخ الثّورة أن يطيلوا لحاهم و أن يُؤدّوا الصّلوات في المساجد غصبا حتّى و إن كانوا غير مُتديّنين.
أمّا المبدعون فلم ُتترك لهم أيّ مساحة للإبداع سوى الأهازيج الدّينيّة و السّير النّبويّة.
هكذا كان المشهد التّونسيّ قبل الثّورة، خنق الإكراه الدّينيّ الكلّ كما خنقت الكنيسة الفرنسيّين قُبيل ثورتهم و كما ثاروا على قمع الكنيسة ، ثُرنا على ظُلمِ الإسلامِ !
و هؤلاء المبدعون بمقاومتهم لأيّ وجود للمقدّسات لدى التّونسيّ إنّما هم أبطال يثورون على حقبة التّطرّف الدّيني أمّا هؤلاء الذين اقتحموا عليهم قاعة السّينما فهم مجرّد شرذمة من زمن الإستبداد الدّيني تحنّ إلى الماضي و هم رموز الثّورة المضادّة الذين يجب القضاء عليهم !
و قد أحسن رجال الأمن فعلا إذ أخرجوهم عنوة من القاعة و أمّنوا محيطها حتّى يتواصل العرض إذ لا مجال للرّضوخ لهؤلاء المتطرّفين و لأنّ للثّورة حكومة ثوريّة تحميها!"
فلتعذرني قارئي العزيز على سخريتي، لكنّه ليس بإمكاني أن أفعل غير ذلك !
فهذه تونس و ليست طالبان، هذه تونس التي حورب فيها كلّ صوت معارض زمن النّظام البائد، لكنّ الإسلاميّين كانوا على رأس قائمة المُحاربين، و بعيدا عن السّياسة و الأحزاب، كان الإسلام كدين محاربا و ليس فقط الإسلام السّياسي الذي يُمكن أن ننتقد فيه الكثير من الأشياء.
هذه تونس التي كان مجرّد لبس الحجاب فيها يعرّض صاحبته لإمكانيّة الفصل من الجامعة أو العمل، هذه تونس التي كان ارتياد شابّ فيها للجامع لأداء الصّلاة بانتظام مرادفا للتّعرّض للمراقبة البوليسيّة...
هذه تونس التي كانت السّينما فيها عاجزة عن انتاج فلم لا يُدخلنا إلى غرفة النّوم أو حمّام النّساء.
كلّ ثورة تؤدّي للقطع مع ما ثارت عليه إلاّ ثورتُكِ يا بلدي !
ثرتَ يا شعبي على استبداد وزارة الداخليّة فبقيت نفس الوزارة، و بقي رجال الوزارة ... و أبحث عن التّغيير فيها فلا أرى شيئا تغيّر،أتُراهم غيّروا حارس مبنى الوزارة ؟ ربّما، رُبّما ...
ثرتَ يا شعبي على انعدام الشّفافيّة فأعلنت حكومتك بُعيد الثّورة اعتقال أقارب الرّئيس ثمّ فرّ منهم من فرّ و شحّت المعلومات عن الباقين.
و بنفس سياسة الشّفافيّة الحميدة ترى حكومتك تُورّطك بقروض خارجيّة يحذّر خبراء من أنّها تضع سيادة البلاد على المحكّ، لكنّ الحكومة لا تُكلّف نفسها عناء النّفي أو الإثبات .
ثرت يا شعبي على الإفلات من العقاب و طالبت بمحاكمة قاتلي أبنائنا و القنّاصة فقالوا لك القنّاصة كذبة.
ثرت يا شعبي على انعدام الحرّيّات، و من بينها الحرّيّة الدّينيّة فقرّروا أن يُريحوكَ من الدّين من الأساس و قالوا لك "لا الله لا شيء " !
يُذكّرني الموضوع بأفلام السّير النّبويّة الإيرانيّة و كيف وقع جدل حول جواز بثّها من عدمه لدى البلدان السّنّيّة إذ يجسّد ممثّلون أدوار الأنبياء في الأفلام الإيرانيّة و يرفض السّنّة ذلك !
هذا الأمراستحقّ النّقاش و تمّ تفهّم رؤية المعارضين لهذه الأفلام في ظلّ نظام بن علي لكنّنا اليوم في ظلّ الثّورة ليس لنا الحقّ أن نرفض الحطّ من إلهنا !
شر البليّة ما يضحك ...
اليوم في تونس تُعدّ مجلّة الأحوال الشّخصيّة أو موضوع عالميّ كمحرقة اليهود من الخطوط الحمراء(و أنا لا أعارض ذلك)، لكنّ قدوسيّة الله في بلاد مسلمة ليست خطّا أحمر !
تمرّ بذهني حادثة حرق القرآن في الولايات المتّحدة الأمريكيّة على يد قسّ معتوه، أمر استنكره الأمريكيّون أنفسهم و على رأسهم الرّئيس أوباما فأين حكومتنا ممّا يحصل في تونس ؟!!
"لا الله لا شيء" فلم فُرض فرضْ و الحكومة تحمي العرضْ!
إلهنا يتمّ التعدّي على قدوسيّته اليوم و يتمّ التّعامل مع الموضوع بهذا الإستهتار إن لم أقل التّواطؤ، لن أستغرب أن يتمّ حرق كتابه غدا في شارع الحبيب بورقيبة نفسه مادام هؤلاء صاروا الثّوّار الجدد، و مادامت نُخبتنا المثقّفة التي عجزت عن تقديم أيّ شيء للثّورة و التي تحاول تغطية عجزها عن مجرّد اللّحاق بركبها عن طريق استيراد قيم جديدة لها تبدأ بمراجعة الإنتماء العربي الإسلامي، تعرّج على جدوى معاداة الصّهيونيّة و تنتهي بإنكار الذّات الإلهيّة .
كنتُ دوما ضدّ العنف و ساندتُ دوما حرّيّة المعتقد و جميع الحرّيّات ، كذلك في حالة اقتحام قاعة السّينما و تعنيف الحاضرين موقفي مبدئيّ لم يتغيّر لكنّ ما حصل استفزاز لا بل استدراج تتحمّل الحكومة مسؤوليّته إذ هنالك فرق بين أن تعلن إلحادك الفردي و أن تتهجّم على أقدس مقدّسات شعب بأكمله يؤمن بالله على اختلاف درجات تديّنه .
ختاما أقول لتظاهرة " نحّي يدّك عن مبدعينا" ، أبدع كما شئت لكن" سيّب حقدك بعيدا عن ديننا " !
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire