ثورة الفساد
نقد و تحليل الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية" لآمال القرامي
أنس الشابي - تونس من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
من المعلوم أن أي دراسة علمية جادّة تستند إلى جملة من المصادر والمراجع التي ينتقيها الباحث وفق مقاييس علميّة متعارف عليها ومن ثم يُمَهِّد لدراسته بمقدمة يَعْرض فيها تقييمه ومبرِّراته في اختياره مصادر مُعـيَّـنة دون غيرها وذلك بعد ترتيبها زمنيا وانتقاء أحسن الطبعات وأدقها وأكثرها ارتباطا بموضوعه.
ففي مقدمة كتابها لم تتناول آمال أي مصدر من مصادرها بالتعيير أو التقويم بل اكتفت بإعادة صياغة بعض الأفكار التي لم تمَلَّ إعادتها وتكرارها عشرات المرّات فانحرفت بالمقدمة عن دورها وحَرَمَتنا من اكتشاف قدراتها النقدية ومدى توفقها في اختيار الأدقّ والأصوب والأصحّ ممّا هو متوفر بين يديها، والمتأمل في القائمة التي أعدتها آمال يكتشف بوضوح أنها اكتفت بجمع كل ما هبّ ودبّ من قريب أو من بعيد وحشرت الكلّ دون فرز أو ضبط ودليلنا على ذلك:
1) جرت العادة أن توضع الكتب المقدّسة والمعاجم والموسوعات لوحدها إلا أن آمال خصَّت الكتب المقدسة بتعامل لم نشهد له مثيلا فيما اطلعنا عليه من فهارس فبدل أن توضع في رأس القائمة لخصوصيّة التعامل معها أدرجتها ضمن المُسرد الذي نشرته، ففي الصفحة 955 وضعت القرآن الكريم ضمن المصادر فيما بين ابن قدامة وثابت بن قرة ووضعت بين قوسين رواية حفص بن سليمان، وهو أمر عجيب فالقراءات لا علاقة لها بالمعاني الواردة بين دفتي المصحف لأنها لا تتناول إلا كيفية نطق بعض الألفاظ ولا تحمل أيَّ تغيير في مضامينها، وكأني بها تشير إلى أن القرآن ليس قرآنا واحدا بل هو متعدّد اختارت منه ما ذكرت بين قوسين، أمّا الكتاب المقدس فقد وضعته فيما بين الكاساني وابن كثير، هذا الأسلوب الملتوي في التعامل مع الكتب المقدسة مقصود للقدح في صحّة نسبتها إلى الله وهو أسلوب لم تستعمله مع غيرها ودليلنا على ذلك أنها جمعت الموسوعات ووضعتها في ذيل فهرسها في الصفحة 979.
2) في الصفحة 960 ذكرت آمال أنها استندت في بعض ما ذهبت إليه إلى كتاب "الجنس في أعمال السيوطي" الذي أعدّه ونشره صاحب دار المعارف بسوسة، وقد سبق لنا أن تناولنا هذا الخليط العجيب من الأوراق التي رمى بها صاحبها في الأسواق وذلك في كتابنا "أهل التخليط" ولا مندوحة عن الإشارة إلى أن اعتماد هذا الكتاب المدلـَّس والمدلـِّس يؤشر على جهل فاضح بأوليات البحث واستهانة بالنصوص وبأصحابها ذلك أن الكتاب المشار إليه لا يعدو أن يكون تجميعا لأوراق لا رابط بينها سوى الجنس محرّرة بأسلوب سوقي فضائحي صادم للحياء نسبت زورا إلى الإمام جلال الدين السيوطي، وغاب عن صاحب دار المعارف بسوسة وتبعته في ذلك آمال أن نسبة أي نصٍّ لأيّ كاتب من الكتاب خصوصا منهم الذين لهم قدم في سوق المعرفة والعلم يجب أن يستند إلى دراسة داخلية للنص من مختلف النواحي كالأسلوب والمصادر المعتمدة والمرحلة التاريخية التي كتب فيها وموقعه ضمن المسيرة الفكرية للرجل... إن أهملنا ما صنع صاحب دار المعارف بسوسة لجهالته وفرحه بانقطاعه عن التعليم منذ المرحلة الابتدائية فكيف يستقيم الأمر ونحن إزاء أطروحة دكتوراه أشرف عليها وأجازها أساتذة وصرفت عليها الدولة آلاف الدنانير؟.
3) الخلط بين أسماء الكتاب وعناوين كتبهم:
فمرّة أولى تنسب آمال للكتاب الواحد مُؤَلـِّفـيْـن اثنين من ذلك أن "من لا يحضره الفقيه" وهو الكتاب الذي يلي في رتبته كتاب الكافي في الحديث لدى الشيعة تنسبه في الصفحة 948 لابن بابويه (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي) وفي الصفحة 956 تنسبه للقمي (أبو جعفر محمد بن علي) فنحن إذن إزاء كتاب واحد لمؤلـِّفين اثنين أحدهما ذكرته في حرف الباء والثاني في حرف القاف والحال أن الرجل هو (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي) المتوفى سنة 381هـ ومن ثم فإن إدراجه في الفهرس يجب أن يكون في حرف الباء لأنه عُـرف بابن بابويه الذي هو لقبه أمّا القمي فنسبة إلى مدينة قم.
ومرّة ثانية تذكر للكتابين الاثنين مؤلفا واحدا رغم ما بينهما من بعد شقة، فابن الحاج صاحب "المدخل إلى الشرع الشريف" تنسب إليه كتاب الرحلة لا لشيء إلا لأن المُؤلـِّفين الاثنين يشتركان في لقب العبدري، ذكر محمد الفاسي محقق الرحلة في مقدمته التي لم تقرأها آمال:"ومن الأوهام المتعلقة بالعبدري أيضا أن بروكلمان ومن تابعه يُكنيه أبا محمد والواقع أن كنيته أبو عبد الله واسمه محمد، كما ورد في غالب النسخ المخطوطة الموجودة من رحلته وكما يُكنيه من يذكره من المؤرخين وغيرهم ويرجع هذا الغلط لكونه يلتبس كذلك بابن الحاج العبدري الفاسي صاحب المدخل وكنيته أبو محمد"(2) كما أن المؤرخ الثبت حسين مؤنس تحدث في الموضوع مفصِّلا القول في العبادرة الثلاثة(3). وبيِّن أن الفرز بين المؤلفين والدقة في نسبة المؤلفات لأصحابها يقصد به ضبط المعلومات ووضعها في إطارها، فابن الحاج قاض وفقيه(4) ومن ثم فإن تناوله للقضايا الحضارية واستشهاده بالبعض منها أو إبداء الرأي فيها سيركن فيه إلى الآليات الفقهية في التعليل والترجيح والحكم أما العبدري الرحالة(5) فلن يتجاوز الوصف والنقل والرواية.
ومرّة ثالثة تذكر للكتابين مُؤلـِّفين اثنين رغم أن مؤلـِّفهما واحد ففي الصفحة 954 ذكرت كتابين لطرطوشِيَيْن اثنين الأوّل منهما سمّته محمد بن الوليد والثاني أبو بكر والصحيح أن صاحبنا اسمه أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف الفهري الأندلسي(6)، فلو قرأت آمال مقدمات الكتابين في الطبعات الثلاث أو تأملت مليًّا في غلاف طبعة الطالبي للحوادث والبدع لـَمَا أوقعت نفسها في هذا الخلط الشنيع.
ومرّة رابعة تنسب الكتاب لغير صاحبه فمفاتيح الغيب الذي ألفه فخر الدين الرازي نسبته إلى آخر من الريّ هو أبو بكر الرازي، ورغم التباعد الفكري والمنهجي بين الرجلين فإن آمال لم تتفطن إلى أنها بهذا الخطأ تؤشر على جهلها بأبي بكر الرازي أحد أهمّ مفكري الإسلام وعباقرته وأكثرهم إنتاجا في ميادين الطب والفلسفة والكيمياء(7) فمن يخلط بين الرازيَيْن الفخر وأبي بكر هل نستثيقه في غيرهما.
ومرّة خامسة تنسب الكتاب لآخر لتشابه في الأسماء ففي الصفحة 948 نسبت لابن بسام صاحب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" كتاب "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" وفاتها أن المُؤلـِّفين مُختلفان فصاحب الذخيرة توفي سنة 542هـ وصاحب النهاية عاش في القرن الثامن للهجرة ولأن آمال لا تقرأ من المصادر التي تدعي اعتمادها إلا بعض النتف من هنا وهناك لم تتفطن لِمَا ورد في مقدمة الدكتور السيد الباز العريني لتحقيقه نهاية الرتبة للشيزري واعتقدت واهمة أنهما شخص واحد، قال السيد:"وأما كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام الذي عاش في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) فيبدو كذلك أن معظمه منقول من كتاب الشيزري إذ أنه فضلا عن اتفاقه مع كتاب الشيزري في العنوان فإن مقدمتهما واحدة وذلك باعتراف ابن بسام نفسه بل يبدو أن ابن بسام أخذ تأليف الشيزري فنسبه إلى نفسه عنوانا ومتنا"(8) ولأن ناشر نهاية الرتبة لابن بسام اكتفى بإيراد النص دون تحقيق أو دراسة أو تقديم أو تعريف بصاحبه توهَّمت آمال أن كل أبيض شحمة وكل أسود فحمة فخلـَّطت وفق ما وسعها الجهد.
4) إغفال ذكر المحققين
رغم أن آمال اعتمدت عددا كبيرا من النصوص المحققة إلا أنها تعمّدت عدم ذكر المحققين وهو أمر لافت للنظر لأن الباحث بتفضيله الاستناد إلى تحقيق على آخر يكشف قدرته على تمييز الطبعة الأحسن والأجود من ذلك اعتماد آمال على الطبعة الشعبية للقوانين الفقهية لابن جزي رغم وجود طبعة تونسية صدرت سنة 1926 صحّحها وكتب مقدمتها الشيخ معاوية التميمي أو اعتمادها نصوصا جُمعت دون تحقيق نشرتها دار الجمل التي حرصت فقط على التأكيد على ذكر مصمِّم الغلاف لأنه رسم صورة امرأة عارية أو تغييبها ذكر الأستاذين جليل العطية وجمال جمعة اللذين استندت إليهما عشرات المرات في تحقيقهما لكتب الأصفهاني والتيفاشي والنفزاوي والتجاني والأمثلة كثيرة تندّ عن الحصر، هذا التخليط في اختيار النصوص المحققة يظهر كذلك في اعتماد الترجمة الأسوأ مع وجود الجيِّدة من ذلك إهمالها ترجمة فؤاد زكريا لجمهورية أفلاطون واعتمادها ترجمة حنا خباز.
قبل سنتين وعند صدور هذا الكتاب نشرت بعض المجلات أحاديث مع آمال أشادت فيه بمؤلفها المذكور باعتباره فتحا في الدراسات الإنسانية وإضافة للأطاريح الجامعية المنشورة، رغم أننا نعلم علم اليقين أن البعض إن أشادوا بكتاب أو قدَّموه فإنهم يفعلون ذلك من باب المجاملة لأن حياتنا الثقافية تفتقر إلى القراءة النقدية الجادة كما يفتقر مثقفونا إلى سعة الصدر والقدرة على قبول الرأي المخالف إذ تلتبس الفكرة بقائلها لتصبح بذلك معالجتها تجريحا وتقويمها شتما وتصحيحها قدحا في قيمة أصحابها والمواقع التي يحتلونها.
قرأت هذا الكتاب مرّة أولى فدهشت لِمَا عليه من هوان وتلبيس وتدليس فقلت علني أخطأت الحكم لجدّة في المصطلحات المستعملة، فقرأته مرة ثانية بتأن وتؤدة لأجد أن حكمي الأوّل لا يصفه بما هو عليه، فالتخليط بلغ مداه والتدليس تجاوز كل حدٍّ والتلبيس فاق الوصف والتزوير لم يترك فكرة أو قولا إلا تناولهما.
يدور كتاب آمال حول فكرة واحدة لم تتوقف عن تكرارها بصِيَغ مختلفة هي التالية:"إن خصائص الذكورة أو الأنوثة ليست وليدة عوامل فيزيولوجية بقدر ما هي من صنع الثقافة ومحصلة اختيارات الجماعة"(9) فـ:"الجسد معطى ثقافي"(10) كما أن:"هويّة المرأة هويّة مفروضة عليها باعتبار أنها ملزمة بالتشبث بصفات حدّدها المجتمع الذكوري"(11) وهو ما تسميه "الجندرة" الأمر الذي يعني لديها أن الذكورة والأنوثة صفات يصنعها الإنسان ويمكنه أن يتصرف فيها فيقلب الذكر أنثى والأنثى ذكرا، يقول عبد المجيد الشرفي:" إن المجتمع هو الذي يشكل الاختلاف بين الذكورة والأنوثة أكثر من أي عامل آخر"(12) هذه الدعوة نشأت وشاعت في البلاد الأنقلوسكسونية مستهدفة تشريع الزواج المثلي وفتح العلاقات الجنسية على بعضها البعض تحت ستار البحث والمساواة. ضمن هذا التصوّر أجهدت آمال نفسها فجمعت من نادر الأحداث وضعيف الأخبار ورائج الأكاذيب وشاذ التقاليد ما اعتقدت أنه يساعد على إكساب "الجندرة" قدرا من المصداقية والقبول، ففي حديثها عن الطفل تقول آمال:"وهكذا يتم غرس المنظومة القيمية شيئا فشيئا في جسده الذي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال قائما بذاته مستقلا عن الجماعة بل هو معطى ثقافي يتنزل في قلب الرمزية الاجتماعية وهو نتاج بناء اجتماعي وثقافي وإيديولوجي"(13) ولسائل أن يسأل كيف يمكن أن تُغرس القيم في الجسد؟ ومنذ متى كان الجسد غير قائم بذاته وغير مستقل عن الجماعة؟ وهل أن الفوارق بين جسدي كل من الأنثى والذكر هي فوارق أصليَّة طبيعيَّة أو أنها مضافة مركبة؟ ثم ما قولها في الآلة الجنسية هل أن المجتمع هو الذي يحدِّد هيئتها وارتباطها بباقي أعضاء الجسم والوظائف التي ستؤديها أو أنها معطاة دون تدخل من الإنسان؟.
علما بأن العورة تحتلُّ موقعا مركزيا في كتاب آمال حيث تحضر الإيحاءات الجنسية وتخترع المصطلحات فالأنف "رمز قضيبي"(14) و"القلم والسيف والرمح والعصا وغيرها من الأدوات ملتصقة بالذكور لصلتها بالقضيب"(15) و"شعر الشارب رمز قضيبي"(16) و"الناي والمزمار.. رمز قضيبي"(17) و"الصوت رمز قضيبي"(18) كما أن كلّ ما هو مدوّر كالدفِّ والأذن والطبل والغربال والفم يذكر بالفرج(19) ولسائل أن يسأل آمال ما قولها في البيانو أو آلة القانون أو فتحتي الأنف والدبر لدى الذكر؟.
تقول آمال:"إن حرص المجتمع على التحكم في هيئة الفرد دليل على أن الاختلاف بين الجنسين بناء اجتماعي"(20) وهو استدلال عجيب لم يأت به الأوائل ولا الأواخر فالمقدمات غير النتائج، إن هيئة الفرد التي تشمل اللباس والزينة وغيرهما تدلّ على جنس الفرد ذكرا كان أو أنثى وليست دليلا على أن المجتمع هو الذي جعله ذكرا أو أنثى.
تقول آمال:"كما أن هناك فارقا بين أعمال الرجال وأعمال النساء أي جندرة للمهن فمهنة النائحة أقرب إلى طبيعة المرأة التي تجعلها تعبر عن حاجاتها بواسطة البكاء والأمر بالمثل بالنسبة إلى عمل المرضعات والدايات"(21)، تنقسم هذه الجملة إلى قسمين الأوّل منهما قولها جندرة المهن وهو مصطلح أخذته من كتاب "تاريخ إسرائيل، الحياة الدينية والاجتماعية" ألفه الربِّي صالو ويتماير بارون (1895ـ1989) وهو حبر يهودي بولوني شارك بالشهادة ضد أدولف إيخمان الذي اختطفته المخابرات الإسرائيلية وحاكمته الدولة الصهيونية سنة 1961 ويعدّه يوسف حاييم يروشالمي أعظم مؤرخ يهودي في القرن العشرين، والقسم الثاني حاولت أن تأتي فيه ببعض الأمثلة التي تعضد بها هذا المصطلح الصهيوني الإسرائيلي إلا أن سهمها صاف عن المرمى فالنائحة لدينا تبكي الميت لأنها مصابة بفقده وليس لأنها أنثى، ألا يبكي الذكور ويولولون كلما عظم المصاب؟، ثم ما القول في جنازات جمال عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ أو احتفالات عاشوراء لدى الشيعة حيث تقام مواكب اللطم للرجال وللنساء؟، أما بالنسبة للمرضعة فلم نسمع أن ذكرا أرضع في غابر الأزمان ولا في حاضرها، وما قولها اليوم في طبيب ولادة ألا يقوم بدور الداية بعد الدراسة والتخرج؟ فأين هي جندرة المهن المتحدث عنها؟.
تقول آمال:"إن حضور المرأة يربك الرجال ويحدث تشويشا في عالمهم ولذا بدا من الضروري تقليص هذا الحضور بجعله محتشما ومتخفيا فتقع جندرة الزمان فتمنع بعض المجتمعات حضور المرأة نهارا فلا يكون خروجها إلا ليلا كما تلجأ مجتمعات أخرى إلى إصدار الأوامر بمنعهن من الخروج"(22) مضيفة لما ذكر:"كان خروج المرأة للصلاة ليلا متماشيا مع مبدأ الحجب خلاف بروزها في وضح النهار الذي نظر إليه على أنه اعتداء على النظام والفضاء الرمزي"(23)، هكذا يُلقى الكلام على عواهنه دون محدِّدات أو ضوابط فالتعميم مقصود لتمرير الجندرة وللقارئ أن يبحث عبثا عن المجتمعات التي تمنع ظهور المرأة نهارا وعن الصلاة التي تقام ليلا للنسوة، وبما أن الهدف الذي تبغي آمال الوصول إليه يتمثل في ترويج مقولات أعاجم الجندرة فإنها تستبيح كل الأساليب من ذلك استنادها إلى بعض الأوامر التي أصدرها الحاكم بأمر الله كمنعه النسوة من الخروج واستثنائه العجائز من ذلك(24)، وفاتها أن الحاكم بأمر الله شخصية غريبة الأطوار يقول عنه عبد الله عنان بأنه:"حرَّم الجرجير مثلا لأنه ينسب إلى السيدة عائشة وحُرِّمت الملوخيا لأنها كانت من الأشياء المحبوبة لمعاوية.... وحَرَّم على النساء أن يكشفن وجوههن في الطريق أو خلف الجنائز وحَرَّم عليهن التزين والتبرج كما حَرَّم البكاء والعويل والصياح وراء الموتى... ثم حَرَّم على الناس أن يخرجوا من منازلهم إلى الطرقات منذ الغروب إلى الفجر وأن يزاولوا البيع والشراء بالليل... وكان الحاكم يعقد مجالسه ليلا ويواصل الركوب وينفق شطرا كبيرا من الليل في جوب الشوارع والأزقة"(25) والثابت تاريخيا أن الحاكم بأمر الله لم يكن يصدر في تصرفاته عن رؤية واضحة، فالهوى والمذهبية المنغلقة يغلبان عليه إذ يشتد في مرّة ويعفو في أخرى دون ضابط، لهذا السبب بالذات لا يمكن إدراج مراسيمه الاجتماعية ضمن التيار الثقافي العام.
تقول آمال:"إن الأمومة ليست غريزة فطرية كما يدعي أغلبهم بل هي مكتسبة عبر التدريب المتدرج منذ الترعرع"(26) وبَيِّنٌ أن هذا الكلام لا يستند إلى منطق أو واقع فلو نظرنا إلى عالم الحيوان للاحظنا أن الأنثى تتميز عن الذكر بعاطفة الأمومة فاللبؤة تحمي صغارها من الأسد المتربِّص بهم وأنثى التمساح تحمل صغارها بين فكيها رغم أن هذين الفكين قادران على سحق عظام أي حيوان أوقعه حظه السيئ بينهما، وما القول في القطة التي تحمل صغارها وتنقلهم من الموقع إلى الآخر بغية حمايتهم... فمن عَلـَّم الحيوان هذه العاطفة؟ وكيف يمكن أن تظهر هذه العاطفة لدى الإناث جميعا لو لم تكن أصليَّة طبيعيَّة غير مكتسبة؟، ثم تقول:"إن تصنيع الثقافة للأنوثة بإخضاع الجسد لشروطها يقيم الدليل على أن الأنوثة مفهوم ثقافي لا طبيعي"(27)، على هذا النسق الغريب من الاستدلال الذي لم يسبقها إليه أحد تجهد آمال نفسها لإقناعنا بما لا يجوز عقلا وممتنع واقعا، فكيف يمكن أن يصدق المرء أن الأنوثة مفهوم ثقافي؟ فالإنسان يولد ذكرا أو أنثى ولا دخل للمجتمع ولا لأي كان في تحديد جنسه، أما ما يطرأ عليه فيما بعد من لباس وعادات وتقاليد واحتفالات وقص شعر... وما يصطلح على تسميته بالثقافة فهي وحدها من صنع البشر. ويصل العبث مداه لما تكتب آمال ما يلي:"فرضت العدة على الزوجة لا على الزوج... لا يبكي الرجالُ النساءَ ولا يحتدون ولا تفرض عليهم عدّة"(28) وهي بهذا الكلام تتعسف وتلوي عنق المفاهيم وتخرق ما أجمع عليه الخلق جميعا من أن العدّة فترة زمنية مقرّرة لاستبراء الرحم فرضت على الأنثى لوفاة زوجها أو لطلاقها منه حتى تثبت الحقوق المادية والأدبية وإنما فرضت العدّة على المرأة لأنها الرحم الذي يحمل النطفة، فكيف يمكن أن تفرض العدّة على الرجل؟، أما الرضاع فتأتي فيه آمال بما لا يخطر على بال تقول:"إن إبعاد الحضري والغني عن أمّه... يخفي خشية المجتمع من قرابة الرضاع بين الأم وولدها ذلك أنها قرابة متعة ولذة أساسها الفم وهو كما نعلم عضو الشراهة فقد تؤدي هذه العلاقة إلى ارتكاب سفاح القربى..."(29) وهي بهذا تدعو صراحة إلى الاستغناء عن الرضاع لتخريب عاطفتي البنوّة والأمومة بحجة أنه قد يؤدي إلى سفاح القربى، فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا به. ومن عجائب ما ورد في هذه الأطروحة التي أشرف عليها وأجازها عبد المجيد الشرفي قول آمال:"أثر مفهوم القوامة في مكانة المرأة في المجتمع وحدد الوظائف والأدوار التي كلفت بها فجعلها أزلية حتى يضمن استقرار البنية الاجتماعية ويحقق مصالح المجتمع الذكوري المتعددة مثل الإنجاب..."(30) والمفهوم من هذا الكلام أن الإنجاب الذي يشمل تلقيح البويضة في رحم المرأة وتخلق الجنين ونموّه في بطنها ثم الوضع إنما هو من صنع المجتمع لأنه هو الذي خصَّ الأنثى بأداء هذه الوظيفة !!!، وفي صفحة أخرى تقول بأن:"الرجل حُرم من النهوض بدور الإنجاب"(31) بهذا الأسلوب المتعسِّف تخلط آمال بين الذكورة والأنوثة لتضيع التخوم وتختل الأدوار المناطة بعهدة كل واحد منهما، فتحت راية المساواة تهدم البيت على من فيه .
أمّا الجماع فإنه هو الآخر لم يسلم من جندرة آمال تقول:"اعتبر اعتلاء المرأة الرجل حجة على فساد أخلاقها ونقص أنوثتها... ويمكن القول إن أسباب رفض هذا الشكل من النكاح راجعة إلى مقت تشبه النساء بالرجال والخوف من انقلاب المعايير وتصدع البناء الاجتماعي وكذا النظام الجندري، كما أن لموقف الرفض دوافع أخرى ميثية إذ لما كان حضور المرأة مقترنا في المتخيل الجمعي بالشيطان فقد كان من المحتم على الرجل أن يعتليها لأنه مكلف بقهر الشيطان وجهاده من خلالها... وفق هذا الطرح هل يمكن القول إن تعدّد الزوجات هو الآخر شكل من أشكال جهاد الشيطان لاكتساب مزيد الأجر والثواب؟... ونرجح أن من بين أسباب رفض الجماع على جنب أن الرجل والمرأة يكونان فيه في المستوى نفسه فيختفي تميز الذكر على الأنثى... فصعود المرأة يجعل الرجل مفعولا به ... وفي غمرة الاستكانة تضيع الفحولة فيتحول الرجل إلى موضوع شوق المرأة بل إنه يصبح مخصيا وأنى للرجل بعد ذلك أن يستعيد دوره في الحياة الزوجية والاجتماعية !.. ليس الجماع فعلا بيولوجيا بقدر ما هو بنية رمزية وبناء ثقافي متصل بالجندرة"(32) لو كان الجماع كما ذكرت آمال فما قولها في جماع الحيوانات؟ ومن جندرهم يا ترى؟، هذا النسق الغريب من الفهم والاستنتاج والتعليل يُدْرَس ويُدَرَّس في قسم الحضارة بمنوبة فيُعطى مُرَوِّجوه الرتب العلمية ويُـعَـيَّـنـون أعضاء في المجالس واللجان ويوصفون بأنهم من النخبة وأصحاب الرأي وتحتلّ صُوَرُهُم صفحات الجرائد والمجلات ظلما وعدوانا وما دَرَوْا أن الزمن كفيل بتجريد المرء من كلّ ما زاد على حقه إن عاجلا أو آجلا.
في الصفحة الأولى من الفصل الذي خصّصته للحديث عن العلاقة الزوجيّة كتبت آمال ما يلي:"شكلت دراسة العلاقة الزوجية موضوع اهتمام القدامى والمحدثين على حد السواء. في حين أن علاقة الأخ بأخته أو علاقة الأب بابنته لم تنالا حظهما من العناية... إن علاقة الذكر بالأنثى تتجلى بالفعل من خلال العلاقة الزوجية خلاف علاقة الأخ بأخته التي يغيب فيها بعد الجنسانية ووظيفة الإنجاب والنهوض بمختلف الأدوار"(33) إن حصر العلاقة بين الذكر والأنثى في بعدها الجنسي فقط يهدم كل أنواع العلاقات الأخرى كالأبوة والبنوة والخؤولة والعمومة... فضلا عن أنه يمثل دعوة صريحة للفوضى الجنسية بالقضاء على المحارم وهتك الأعراض وهو ما يسعى إليه أعاجم الجندرة ومن لفَّ لفـَّهم في قسم الحضارة بمنوبة.
في الصفحة 60 من سفر الجندرة كتبت آمال ما يلي:"ولعل عسر ولادة البنت دال على تردُّدها في أن تحتل موقعا في المجتمع"، لو حملنا هذا الكلام على محمل الجدِّ فما القول يا ترى في السبوعية التي ولدت في شهرها السابع قبل أن تتم التسعة أشهر؟ هل يصحُّ القول بأنها كانت متعجلة لتحتل موقعا في المجتمع؟. وفي موقع آخر تتساءل آمال:"هل كانت طريقة أكل النساء مختلفة عن طريقة أكل الرجال؟" ثم تجيب نفسها قائلة بأن:"دارس آداب المؤاكلة... يعجز عن الإجابة عنها نظرا لانعدام الأدلة" ثم تتساءل مرة أخرى:"أكانت المرأة تنهش اللحم وتلعق أصابعها كما يفعل الرجل الذي يقتدي بالسنة..."(34) نترك التعليق على ما ذكر ونمضي إلى غيرها.
استندت آمال في كل ما سوّدت على أعاجم الجندرة من الشواذ فتنقل عنهم الفكرة ثم تفتش لها عن مستندات في تراثنا العربي الإسلامي أيًّا كان مصدرها أو مذهب صاحبها أو الإطار الذي قيلت فيه لهذا السبب بالذات خلـّطت في إيراد النصوص التي تستشهد بها فعند حديثها عن الأذان(35) في أذن المولود وهي مسألة لا علم لأعاجم الجندرة بها لم تجد آمال ما تقول ولأنها تنقل عنهم دون بصيرة لم تقدر إلا على تسويد أسطر معدودات نقلت فيها خبرا عن الحسن والحسين(ض) ولم تدر أنها تنقل عن شيعي.
ولأن أعاجم الجندرة استطاعوا ـ لأسباب تاريخية خاصة بهم ـ دفع الكنيسة إلى إصدار طبعة من الكتاب المقدس حُيِّدَت فيها كل الألفاظ وخُـنِّـثـت اللغة فغاب المذكر والمؤنث في سابقة تاريخية لا نظير لها(36) فإن آمال حاولت السير على نهجهم وذلك بشيء من التخفي والمناورة تقول بأنه يجب أن:"ننتبه إلى انحياز اللغة وسعيها إلى إقامة الفصل بين الجنسين خدمة للنظام الجندري"(37) الأمر الذي يعني لديها أن صيغة المذكر والمؤنث في اللغة لا تصف واقعا بل تكرّس تفرقة بين الذكور والإناث وتستند في ذلك إلى الخنثى الذي التبس أمره من الناحية الجنسية لتشوُّه خلقي تقول بـ:"أن الحديث عن الخنثى ورد بصيغة المذكر... (مستنتجة من ذلك أنه) لم يعد بإمكان المنظومة الفقهية الحديث عن الذكر والأنثى ... فاللغة العربية نفسها تعكس هذا الفصل بين الجنسين باعتبار أنها لا تملك ضميرا محايدا، فكيف يتم التخاطب مع هذه النماذج وما يقال عند الحديث عن الخنثى:هو أم هي"(38) بهذا الأسلوب الملتوي المخاتل تسعى آمال بعد اتهام اللغة إلى تحييدها لتضيع بذلك الحدود بين الذكر والأنثى فيخرب الجهاز المفاهيمي القائم على التمييز بينهما وتهدم الأسرة ويقضى على التنظيم الاجتماعي، فمن يتجرأ اليوم على الدعوة إلى تخنيث المصطلحات الفقهية والقانونية لن يجد غضاضة إن سمحت الظروف في الدعوة إلى تغيير القرآن تحت ستار تحييد اللغة كما صنع أعاجم الجندرة مع الكتاب المقدس.
لغة هو التدليس والتخليط حتى يلتبس الأمر على الطرف المقابل وهي حيلة يلجأ إليها الذين يستهدفون الترويج للأهواء ونزعات النفوس موهمين الناس بأنها تستند إلى صحيح النظر ودقيق الحجاج ولنا فيما سوَّدت آمال أمثلة تندُّ عن الحصر نجملها فيما يلي:
1) انحرافها بالمصطلحات عن معانيها، ففي حديثها عن الصلاة قالت بأنها:"ليست إلا صياغة بشرية نابعة من المعايير الاجتماعية والمواضعات الثقافية السائدة في المجتمع والعصر"(39). في تقديرنا أن الحديث عن عبادة الصلاة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإطار الثقافي الذي ضمنه نُحت المصطلح فالصلاة في الديانات الوضعيّة كالبوذيّة وغيرها هي غير الصلاة في الإسلام لأن هذه الأخيرة تستند إلى الوحي فالرسول (ص) هو الذي علم الناس الصلاة التي عرَّفها الفقهاء تبعا لذلك بأنها:"أقوال وأفعال يُقصد بها تعظيم الله مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، بأركان محدّدة وشرائط خاصّة في أوقات مقدّرة" أي أنها تُؤدَّى كما أدَّاها الرسول (ص) ولا يجوز لأيٍّ كان أن يُغيِّر فيها بالإضافة أو الإنقاص أو التقديم أو التأخير، وبَيِّنٌ أن هذا التعريف جامع مانع أما تعريف آمال فإنه يصدق على كل شيء فلو أبدلنا لفظ الصلاة بالمسرح أو الموسيقى أو رقص البالي... لما تغيَّر معنى الجملة، فضلا عن أن المقصود من إيراده بهذا الشكل التمهيد لتخريب الصلاة بتغيير طريقة أدائها ونشر الأوهام حولها من ذلك ادعاؤها بـ:"كثرة القيود المفروضة على المرأة أثناءأداء الصلاة قياسا بالرجل وهي قيود تستهدف تقليص حجم جسدها... أما الرجل فيطلب منه البسط والمد والانتصاب والتفريج"(40) وهو كلام مكذوب من ألفه إلى يائه لأن أحكام الصلاة واحدة بالنسبة إلى الذكر والأنثى إلا فيما اقتضته الطبيعة كحالات الحيض أو النفاس أما "تقليص حجم الجسد" الذي ادّعت أنه خاصٌّ بالمرأة فمحض اختلاق إذ رُوي عن أنس أن النبي (ص) قال:"رصّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق"(41) وهو حكم عام يشمل الذكور والإناث الكبار والصغار جميعا بدون استثناء.
وفي صفحة أخرى تأتي آمال بالعجب العجاب ورغم طول الفقرة فإننا نوردها كاملة حتى يتأمل القارئ المهانة الفكرية التي يصل إليها الإنسان لمَّا تغيب الموضوعيَّة والدقة والمعرفة وتحضر الأهواء المنفلتة من أي عقال، تقول:"ويوحي السلوك الحركي الذي تفرضه الصلاة بأشكال من الجماع، منها ما يكون في القيام، ومنها في القعود، ومنها في الانبطاح، ومنها في الانحناء الذي تنحني فيه المرأة كأنها راكعة، ومنها الإدبار المتمثل في وطء المرأة وهي مجباة، ويتضح بعد الجنسانية الحاضر في الممارسة الطقسية في موقف السحاقيات من الصلاة. فقد عزفن عن ممارستها لأجل الركوع لأن هذا السلوك الحركي لا يرتبط في أذهانهن بالخشوع لله بقدر ما يذكرهن بالاستسلام للرجل ولرغباته"(42) !!!.
2) تحريفها الاستشهادات والتصرف فيها بالإضافة والتحوير ثم نِسبتها إلى أصحابها على غير صورتها الأصليَّة من ذلك أن آمال استعملت كتاب "وصف إفريقيا" للحسن بن محمد الوزان المعروف بليون الإفريقي الذي وصف فيه مشاهداته في البلاد الإفريقية كبلاد البربر والجريد والصحراء الكبرى والسودان... فعند وصفه لعادات أهل فاس قال الوزان:"وإذا اتفق أن العروس لم تكن بكرا ردَّها الزوج إلى أبيها وأمّها وفي ذلك عار كبير عليهما لا سيما وأن جميع المدعوين ينصرفون دون أكل"(43)، هذه المعلومة الخاصة بمدينة فاس عمَّمتها آمال على مختلف المجتمعات الإسلامية ولم تكتف بذلك بل تصرفت فيها بالإضافة تقول:"أما إذا اتفق أن كانت العروس قد فقدت بكارتها بوثبة أو غيرها ردها إلى أهلها"(44) بهذا الأسلوب تدلـِّس آمال قول الوزان فلفظ الوثبة مضاف وفيه إحالة للقارئ على ما دأبت الحركات النسوية على ترويجه من أن غشاء البكارة إنما يثقب بالوثب والقفز. في الجزء الثاني من كتابه خصَّص الوزان فصلا تحدث فيه عن عادات سكان القاهرة وأرباضها وممارساتهم جاء فيه:"ولباس السيدات فاخر، يخرجن متبرجات بالحلي، يحملن أكاليل على جباههن وعقودا في أعناقهن، ويضعن على رؤوسهن غطاء ثمينا ضيقا عاليا بقدر شبر على شكل أنبوب. ويتكوَّن لباسهن من فستان من الجوخ ضيق الأكمام ويختلف نوع الثوب، لكن الفستان مصنوع بعناية ومزدان بطرز جميل. ويتدثرن بغطاء من نسيج القطن بالغ الدقة والنعومة مستورد من الهند. ويضعن على وجوههن غلالة سوداء رقيقة جدا لكنها خشنة بعض الشيء وكأنها مصنوعة من الشعر. يستطعن هكذا رؤية الرجال دون أن يعرفوهن. وينتعلن أخفافا أو أحذية جميلة على الطراز التركي. وهؤلاء النساء متصنعات يعرن للقيل والقال أهمية كبرى، إلى حدّ أن أية واحدة منهن لا ترضى أن تقوم بالغزل أو الخياطة أو الطهي، فيضطر الزوج إلى شراء الطعام جاهزا من الطباخين خارج البيت. ويطبخ القليل من الناس طعامهم في منازلهم، ما عدا الأسر الكثيرة الأفراد. وتتمتع هؤلاء السيدات بحرية كبيرة واستقلال كثير. فإذا ذهب الزوج إلى دكانه ارتدت زوجته لباسها وتعطرت، ثم ركبت حمارا وخرجت للتنزه في المدينة وزيارة أهلها وأصحابها"(45).
هذا الوصف الرائع لنساء القاهرة ولِمَا يرفلن فيه من حلل واستقلال وحرية تنحرف به آمال إلى تأكيد معان أخرى لم تجُل بخاطر الوزان متوهِّمة أنها تخدم قضية المرأة بإشاعة الأكاذيب وليتأمّل القارئ كيف أصبح حال المرأة القاهريَّة بعد التعميم، تقول آمال:"وفي مقابل تثمين دور الزوج وتمتعه بعدد من الامتيازات عمل المجتمع على جعل المرأة قعيدة البيت وستيرة لا تخرج ولا تعمل حتى لا تفوِّت حق البعل في الاستمتاع بجسدها وبممارسة الهيمنة عليها. وصارت الغنية مجبرة على الكسل والتواكل والفراغ لتوافر من يقوم بخدمتها، لا وظيفة لها سوى تفريغ نفسها لمصالح الزوج وحبس نفسها على ذمته والإنجاب. ولم تتوان الثقافة العالمة عن نسج صورة للزوجة. فكانت مثلها مثل الصبي متوكلة على الزوج فيما تحتاج إليه من الطعام والشراب واللباس وغيره تقضي طوال النهار مشغولة بالزينة لا تفكر في أمر المعاش ولا يهمها طلبه قلبها ساكن ونفسها هادئة. فإذا بالزوج يقصد دكانه للتكسب والزوجة تتعطر ثم تركب حمارا وتخرج للتنزه"(46).
هذا الأسلوب الذي تنتهجه آمال في التعميم والاحتفاء بالشاذ وإشاعته وفي تحريف نصوص الآخرين والانحراف بها عن سياقها الذي وردت فيه وعمّا قصد أصحابها يكاد يكون سمة من سمات ما سوّدت إذ تنسب لابن عرضون قولا نقله عن ابن الحاج كتبت تقول:"من ذلك مقايضة الجماع بالمال، وهو سلوك شاع لدى الأزواج فالزوجة إذا جاءت إلى الفراش تأخذ شيئا يعطيه لها زوجها في الغالب غير نفقتها حسب حاله وحالها لحق الفراش على ما يزعمن"(47). وبالعودة إلى نص ابن عرضون في نفس الصفحة التي استشهدت بها آمال نجد أنها لم تكتف بالتحريف المتعمد بل تجاوزت ذلك إلى تغيير الأحكام وقلبها في جرأة لا نظير لها، يقول ابن عرضون عند حديثه عن البدع البربرية في الأعراس:"ومن البدع المحرَّمة أن يدفع العروس لعروسه شيئا من الدراهم لكي يحلَّ سراويلها قال ابن الحاج في مدخله وقد وقع بمدينة فاس أن الرجل إذا دخل على زوجته يعطي فضة قبل حلِّ السراويل فبلغ ذلك العلماء فقالوا شبيه بالزنى فمنعوه وقد حذر من ذلك سيدي أحمد زروق في النصيحة له"(48).
3) أمّا ثالثة الأثافي فهي اتهام آمال بالاختلاس وهي رذيلة انتشرت في الوسط الثقافي والجامعي إذ لا تمرّ سنة إلا ونسمع بفضيحة تشيب لها الولدان والسرقات الفكرية أنواع كما أن اللصوص أصناف:
ـ فمنهم من يتجرأ على سرقة كتاب أو نص كامل فينسبه لنفسه بمنتهى الصفاقة.
ـ ومنهم من يتعمد سرقة نص كامل من لغة وينقله إلى لغة أخرى ولعلَّ المثال الأشهر أطروحة أركون التي نشرها باسمه والحال أن عمله لم يتجاوز ترجمة الدراسة الرائدة للمرحوم عبد العزيز عزت الصادرة سنة 1946 في جزأين.
ـ أما النوع الثالث وهو الدارج حيث يعمد اللصوص إلى اختيار مواضيع سبق أن درسها باحثون آخرون إذ ينهبون الأطر الفكريَّة والمصادر والمراجع والمفاهيم والنتائج ويكتفون بخلطها وإعادة ترتيبها من جديد فيقدمون فكرة ويؤخرون أخرى متوهمين بذلك أنهم قادرون على التمويه على القراء والفرار بجريمتهم.
سنة 2000 نشرت دار رياض الريس دراسة لإبراهيم محمود عنوانها "المتعة المحظورة، الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب" كما سبق أن نشر دراسة أخرى عنوانها "الجنس في القرآن" سنة 1994عن نفس الدار، هذان الكتابان استغلتهما آمال استغلالا كاملا كاد أن يصل في أحيان كثيرة إلى حد النقل الحرفي. بعد أن نشرت آمال كتابها تفطن إبراهيم إلى المسألة فنشر مقالا في جريدة الزمان الدوليّة العدد 3023 المؤرخ في 17 جوان 2008 جاء فيه:"وأنا متأكد أنها أخذت عنهما الكثير بأكثر من صياغة دون أن تشير إلى ذلك... إن قراءة النقاط التي أوردَتها وما ورد في كتابي (يقصد المتعة المحظورة) تفصح عمَّا تقدم... في وسع القارئ أن يلاحظ مدى الاقتباس والتحوير الجاري دون التذكير بذلك إطلاقا... إن كل ذلك يقلل من مصداقية الباحثة وجانب الأمانة البحثية... ولكن الذي يظهر وكما أرى هو أن صياغات كثيرة لأهم فقرات من كتابها... ومن خلال التفاوت في البنية اللغوية أو طريقة التعبير من فصل إلى آخر أو فقرة إلى أخرى تُظهر الارتباط غير المسمّى بكتابي (المتعة أوّلا) واختلاسها للعديد المهمّ من أفكارها منه إنه اختلاف في الاختلاف ولكنه اختلاف يُبرز حالة تجاهل جهد الآخر واعتبار الجهد المتحصل جهدها هنا ويا لها من حالة تزييف للذات هذه وفي الوسط الأكاديمي". وبمقارنة فصول مختلفة من الكتابين تبيّن لنا أن الرجل صادق فيما ذهب إليه فالظلم واضح والدليل بَيِّنٌ، بعد مرور ما يفوق السنتين لم تدافع آمال عن نفسها ولم تنف هذه التهمة الخطيرة الماسّة بالشرف العلمي، ولا يخلو الحال من أمرين لا ثالث لهما إمّا أن آمال تعتقد أننا لا نقرأ ومن ثم فضلت الصمت أو أنها مقرَّة ضمنيا بالاتهام.
1) الاختلاف، ص 8.
2) المقدمة، ص ج.
3) الجغرافيون في الأندلس، ص 518.
4) عنه في الموسوعة الفقهية الكويتية، 3/340.
5) الأعلام للزركلي، 7/32.
6) الأعلام، 7/133.
7) عنه في "مذهب الذرّة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهنود" لسالومون بينس، نقله عن الألمانية محمد عبد الهادي أبو ريدة، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1946. وفي "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" تأليف وترجمة عبد الرحمان بدوي، دار سينا للنشر، ط2، القاهرة1993. نشر بول كراوس الجزء الأوّل من "رسائل فلسفية لمحمد بن زكريا الرازي" في القاهرة سنة 1939، وهي الطبعة التي سطت عليها دار الآفاق الجديدة سنة 1973 وأعادت نشرها مُصَوّرة بعد أن حذفت اسم محقق النص في صفاقة لا حدود لها.
8) نهاية الرتبة للشيزري، ص ح، في دراسة للدكتور محمد جاسم الحديثي عنوانها "الحسبة وكتب التراث المؤلفة فيها" منشورة ضمن كتاب جماعي "من تاريخ العلوم عند العرب" صادر عن بيت الحكمة ببغداد سنة 1998، قال إن نهاية ابن بسام حققه حسام الدين السامرائي وطبع في مطبعة المعارف ببغداد سنة 1968 إلا أننا لم نتمكن من الإطلاع عليه .
9) الاختلاف، ص377.
10) الاختلاف، ص202.
11) الاختلاف، ص15.
12) الاختلاف، ص5.
13) الاختلاف، ص141 و142.
14) الاختلاف، ص43.
15) الاختلاف، ص284.
16) الاختلاف، ص405.
17) الاختلاف، ص441.
18) الاختلاف، ص17.
19) الاختلاف، ص182 و441 و619 و182 و371.
20) الاختلاف، ص383.
21) الاختلاف، ص605.
22) الاختلاف، ص630.
23) الاختلاف، ص501.
24) الاختلاف، ص876.
25) الحاكم بأمر الله، ص173 و129 و130 و121.
26) الاختلاف، ص271.
27) الاختلاف، ص409.
28) الاختلاف، ص571 و572.
29) الاختلاف، ص119.
30) الاختلاف، ص729.
31) الاختلاف، ص587.
32) الاختلاف، ص684 و685 و686 و689.
33) الاختلاف، ص575 و576.
34) الاختلاف، ص230.
35) الاختلاف، ص73.
36) في موقع من مواقع الأنترنيت غفلت عن توثيقه ورد ما يلي:"ومن أمثلة التغييرات التي حدثت منذ 1978 إلى الآن في إنجيل متى في الإصحاح الخامس تغيرت كلمة sons أي الأبناء الذكور إلى كلمةchildren أي الأبناء من الجنسين، وفي موضع آخر من الكتاب تغيرت كلمة man التي تعني الرجل إلى Person التي تعني الشخص أو الإنسان".
37) الاختلاف، ص427.
38) الاختلاف، ص477 و479.
39) الاختلاف، ص489.
40) الاختلاف، ص490.
41) رواه أبو داود والنسائي.
42) الاختلاف، ص514.
43) وصف إفريقيا، 1/256.
44) الاختلاف، ص708.
45) وصف إفريقيا، 2/216 و217.
46) الاختلاف، ص588.
47) الاختلاف، ص713.
48) المعرفة والجنس للديالمي، ص133
امال القرامي ' تلميذة الطالبي' تجمعية سابقة
الصلاة عندها ممارسة جنسية
"ويوحي السلوك الحركي الذي تفرضه الصلاة بأشكال من الجماع، منها ما يكون في القيام، ومنها في القعود، ومنها في الانبطاح، ومنها في الانحناء الذي تنحني فيه المرأة كأنها راكعة، ومنها الإدبار المتمثل في وطء المرأة وهي مجباة، ويتضح بعد الجنسانية الحاضر في الممارسة الطقسية في موقف السحاقيات من الصلاة. فقد عزفن عن ممارستها لأجل الركوع لأن هذا السلوك الحركي لا يرتبط في أذهانهن بالخشوع لله بقدر ما يذكرهن بالاستسلام للرجل ولرغباته"نقد و تحليل الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية" لآمال القرامي
أنس الشابي - تونس من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
عن دار المدار صدر "كتاب الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية" لآمال القرامي في حوالي الألف صفحة، وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه دولة أعدّت في كلية آداب منوبة تحت إشراف عبد المجيد الشرفي الذي أشاد بها وبصاحبتها معتبرا أنها تمثل:"إسهاما ثريا ممتعا في آن، نحن سعيدون بتقديمه إلى القراء بعد أن سعدنا به بالإشراف عليه وننتظر من آمال مزيد العطاء وإغناء المكتبة العربية بأمثال هذه الدراسة غناء فكريا ناضجا شهيا"(1).
وقد مَنيت النفس بأن أسعد كما سعد عبد المجيد ولكن الآمال خابت منذ البداية، فعنوان الدراسة ملتبس ويطرح عددا من التساؤلات:
أوّلها لماذا استعملت الكاتبة لفظ الاختلاف بإطلاق ودون تحديد لمجالاته أو مضامينه أو مظاهره، فهل قصدها الاختلاف بين المذكر والمؤنث أو الذكر والأنثى أو بين القراءات أو بين المدارس الفقهية أو بين الفرق الإسلامية أو بين المذاهب الصوفية.....؟ ذلك أن الأطاريح الجامعية الجادّة تلتزم حدودا معينة لا تخرج عنها فكلما كان الموضوع ضيّقا كلما استطاع الباحث الإلمام بأطرافه والإحاطة بمصادره ومن ثم تتأتى الجدّة في الدرس والقدرة على الإضافة والعكس صحيح إذ كلما كان الموضوع منفلتا من أيّ عقال كلما كانت المعالجة سطحيّة وعبثيّة لا غناء فيها.
وثانيها لماذا لم تحدّد الكاتبة الفترة الزمنية المدروسة والحال أن كلّ الأطاريح الجامعية تلتزم فترات زمنية مضبوطة لا تتجاوز بأيّ حال من الأحوال مائة سنة وغالبا ما تكون أقلّ من ذلك بكثير حتى يتمكن الباحث من الوصول إلى نتائج أدق وأعمق بدراسة الجزئيات والتفاصيل ووضعها ضمن سياقها التاريخي، أمّا الإصرار على تعويم الزمن وفتح السنوات والقرون على بعضها البعض لمدّة تفوق 15 قرنا كما هو الحال في أطروحة آمال فلن يؤدي إلا إلى التلخيص والاقتباس والتعميم وهو ما سنفصِّل فيه القول لاحقا.
وثالثها لماذا لم تحدّد آمال مجالا جغرافيا مُعَـيَّـنا لدراستها كأن يكون مدينة أو بلدا أو منطقة ما، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن الثقافة ومظاهرها تختلف من بيئة إلى أخرى حتى وإن استندت إلى أصل عقدي واحد فعادات الزواج في وسط إفريقيا هي غيرها في الشمال وتربية الناشئة في الحضر هي غيرها في البادية والمعاملات المالية في الموانئ هي غيرها في المناطق الداخلية....
ولا يخفى أن همّ الطالب عند وضع عنوان لبحثه هو الدقة والوضوح والضبط ممّا يؤشر على عقلية نقدية قادرة على التمحيص والفرز بين ما هو من صلب الموضوع فتأخذ به وما هو من أطرافه وحواشيه فتدعه أو تتناوله بمقدار ما يخدم موضوع الدراسة، أما العناوين التي تحتمل الزيادة والنقصان فلا تدلّ إلا على اللهاث وراء السهولة والسعي إلى إثارة عموم القراء بما هو هذيان وهذر.
وفيما يلي نورد جملة من عناوين الأطاريح الجامعية الجادّة التي أعِدَّ بعضها منذ منتصف القرن الماضي دون ترتيب معيَّن حتى يتبيَّن القارئ الفرق بين عنوان يحمل دلالة علميّة زاخر بالإيحاءات والضوابط وآخر لا لون ولا رائحة ولا طعم له:
ـ "تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري" للدكتور عبد العزيز الدوري.
ـ "التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأوّل الهجري" للدكتور صالح أحمد العلي، علما بأن الدكتور هشام جعيط تناول نفس الموضوع ولكن في الكوفة.
ـ "الحركة الطالبية التونسية،1927ـ 1939" للدكتور محمد ضيف الله.
وقد مَنيت النفس بأن أسعد كما سعد عبد المجيد ولكن الآمال خابت منذ البداية، فعنوان الدراسة ملتبس ويطرح عددا من التساؤلات:
أوّلها لماذا استعملت الكاتبة لفظ الاختلاف بإطلاق ودون تحديد لمجالاته أو مضامينه أو مظاهره، فهل قصدها الاختلاف بين المذكر والمؤنث أو الذكر والأنثى أو بين القراءات أو بين المدارس الفقهية أو بين الفرق الإسلامية أو بين المذاهب الصوفية.....؟ ذلك أن الأطاريح الجامعية الجادّة تلتزم حدودا معينة لا تخرج عنها فكلما كان الموضوع ضيّقا كلما استطاع الباحث الإلمام بأطرافه والإحاطة بمصادره ومن ثم تتأتى الجدّة في الدرس والقدرة على الإضافة والعكس صحيح إذ كلما كان الموضوع منفلتا من أيّ عقال كلما كانت المعالجة سطحيّة وعبثيّة لا غناء فيها.
وثانيها لماذا لم تحدّد الكاتبة الفترة الزمنية المدروسة والحال أن كلّ الأطاريح الجامعية تلتزم فترات زمنية مضبوطة لا تتجاوز بأيّ حال من الأحوال مائة سنة وغالبا ما تكون أقلّ من ذلك بكثير حتى يتمكن الباحث من الوصول إلى نتائج أدق وأعمق بدراسة الجزئيات والتفاصيل ووضعها ضمن سياقها التاريخي، أمّا الإصرار على تعويم الزمن وفتح السنوات والقرون على بعضها البعض لمدّة تفوق 15 قرنا كما هو الحال في أطروحة آمال فلن يؤدي إلا إلى التلخيص والاقتباس والتعميم وهو ما سنفصِّل فيه القول لاحقا.
وثالثها لماذا لم تحدّد آمال مجالا جغرافيا مُعَـيَّـنا لدراستها كأن يكون مدينة أو بلدا أو منطقة ما، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن الثقافة ومظاهرها تختلف من بيئة إلى أخرى حتى وإن استندت إلى أصل عقدي واحد فعادات الزواج في وسط إفريقيا هي غيرها في الشمال وتربية الناشئة في الحضر هي غيرها في البادية والمعاملات المالية في الموانئ هي غيرها في المناطق الداخلية....
ولا يخفى أن همّ الطالب عند وضع عنوان لبحثه هو الدقة والوضوح والضبط ممّا يؤشر على عقلية نقدية قادرة على التمحيص والفرز بين ما هو من صلب الموضوع فتأخذ به وما هو من أطرافه وحواشيه فتدعه أو تتناوله بمقدار ما يخدم موضوع الدراسة، أما العناوين التي تحتمل الزيادة والنقصان فلا تدلّ إلا على اللهاث وراء السهولة والسعي إلى إثارة عموم القراء بما هو هذيان وهذر.
وفيما يلي نورد جملة من عناوين الأطاريح الجامعية الجادّة التي أعِدَّ بعضها منذ منتصف القرن الماضي دون ترتيب معيَّن حتى يتبيَّن القارئ الفرق بين عنوان يحمل دلالة علميّة زاخر بالإيحاءات والضوابط وآخر لا لون ولا رائحة ولا طعم له:
ـ "تاريخ العراق الاقتصادي في القرن الرابع الهجري" للدكتور عبد العزيز الدوري.
ـ "التنظيمات الاجتماعية والاقتصادية في البصرة في القرن الأوّل الهجري" للدكتور صالح أحمد العلي، علما بأن الدكتور هشام جعيط تناول نفس الموضوع ولكن في الكوفة.
ـ "الحركة الطالبية التونسية،1927ـ 1939" للدكتور محمد ضيف الله.
المصادر
من المعلوم أن أي دراسة علمية جادّة تستند إلى جملة من المصادر والمراجع التي ينتقيها الباحث وفق مقاييس علميّة متعارف عليها ومن ثم يُمَهِّد لدراسته بمقدمة يَعْرض فيها تقييمه ومبرِّراته في اختياره مصادر مُعـيَّـنة دون غيرها وذلك بعد ترتيبها زمنيا وانتقاء أحسن الطبعات وأدقها وأكثرها ارتباطا بموضوعه.
ففي مقدمة كتابها لم تتناول آمال أي مصدر من مصادرها بالتعيير أو التقويم بل اكتفت بإعادة صياغة بعض الأفكار التي لم تمَلَّ إعادتها وتكرارها عشرات المرّات فانحرفت بالمقدمة عن دورها وحَرَمَتنا من اكتشاف قدراتها النقدية ومدى توفقها في اختيار الأدقّ والأصوب والأصحّ ممّا هو متوفر بين يديها، والمتأمل في القائمة التي أعدتها آمال يكتشف بوضوح أنها اكتفت بجمع كل ما هبّ ودبّ من قريب أو من بعيد وحشرت الكلّ دون فرز أو ضبط ودليلنا على ذلك:
1) جرت العادة أن توضع الكتب المقدّسة والمعاجم والموسوعات لوحدها إلا أن آمال خصَّت الكتب المقدسة بتعامل لم نشهد له مثيلا فيما اطلعنا عليه من فهارس فبدل أن توضع في رأس القائمة لخصوصيّة التعامل معها أدرجتها ضمن المُسرد الذي نشرته، ففي الصفحة 955 وضعت القرآن الكريم ضمن المصادر فيما بين ابن قدامة وثابت بن قرة ووضعت بين قوسين رواية حفص بن سليمان، وهو أمر عجيب فالقراءات لا علاقة لها بالمعاني الواردة بين دفتي المصحف لأنها لا تتناول إلا كيفية نطق بعض الألفاظ ولا تحمل أيَّ تغيير في مضامينها، وكأني بها تشير إلى أن القرآن ليس قرآنا واحدا بل هو متعدّد اختارت منه ما ذكرت بين قوسين، أمّا الكتاب المقدس فقد وضعته فيما بين الكاساني وابن كثير، هذا الأسلوب الملتوي في التعامل مع الكتب المقدسة مقصود للقدح في صحّة نسبتها إلى الله وهو أسلوب لم تستعمله مع غيرها ودليلنا على ذلك أنها جمعت الموسوعات ووضعتها في ذيل فهرسها في الصفحة 979.
2) في الصفحة 960 ذكرت آمال أنها استندت في بعض ما ذهبت إليه إلى كتاب "الجنس في أعمال السيوطي" الذي أعدّه ونشره صاحب دار المعارف بسوسة، وقد سبق لنا أن تناولنا هذا الخليط العجيب من الأوراق التي رمى بها صاحبها في الأسواق وذلك في كتابنا "أهل التخليط" ولا مندوحة عن الإشارة إلى أن اعتماد هذا الكتاب المدلـَّس والمدلـِّس يؤشر على جهل فاضح بأوليات البحث واستهانة بالنصوص وبأصحابها ذلك أن الكتاب المشار إليه لا يعدو أن يكون تجميعا لأوراق لا رابط بينها سوى الجنس محرّرة بأسلوب سوقي فضائحي صادم للحياء نسبت زورا إلى الإمام جلال الدين السيوطي، وغاب عن صاحب دار المعارف بسوسة وتبعته في ذلك آمال أن نسبة أي نصٍّ لأيّ كاتب من الكتاب خصوصا منهم الذين لهم قدم في سوق المعرفة والعلم يجب أن يستند إلى دراسة داخلية للنص من مختلف النواحي كالأسلوب والمصادر المعتمدة والمرحلة التاريخية التي كتب فيها وموقعه ضمن المسيرة الفكرية للرجل... إن أهملنا ما صنع صاحب دار المعارف بسوسة لجهالته وفرحه بانقطاعه عن التعليم منذ المرحلة الابتدائية فكيف يستقيم الأمر ونحن إزاء أطروحة دكتوراه أشرف عليها وأجازها أساتذة وصرفت عليها الدولة آلاف الدنانير؟.
3) الخلط بين أسماء الكتاب وعناوين كتبهم:
فمرّة أولى تنسب آمال للكتاب الواحد مُؤَلـِّفـيْـن اثنين من ذلك أن "من لا يحضره الفقيه" وهو الكتاب الذي يلي في رتبته كتاب الكافي في الحديث لدى الشيعة تنسبه في الصفحة 948 لابن بابويه (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين القمي) وفي الصفحة 956 تنسبه للقمي (أبو جعفر محمد بن علي) فنحن إذن إزاء كتاب واحد لمؤلـِّفين اثنين أحدهما ذكرته في حرف الباء والثاني في حرف القاف والحال أن الرجل هو (أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن بابويه القمي) المتوفى سنة 381هـ ومن ثم فإن إدراجه في الفهرس يجب أن يكون في حرف الباء لأنه عُـرف بابن بابويه الذي هو لقبه أمّا القمي فنسبة إلى مدينة قم.
ومرّة ثانية تذكر للكتابين الاثنين مؤلفا واحدا رغم ما بينهما من بعد شقة، فابن الحاج صاحب "المدخل إلى الشرع الشريف" تنسب إليه كتاب الرحلة لا لشيء إلا لأن المُؤلـِّفين الاثنين يشتركان في لقب العبدري، ذكر محمد الفاسي محقق الرحلة في مقدمته التي لم تقرأها آمال:"ومن الأوهام المتعلقة بالعبدري أيضا أن بروكلمان ومن تابعه يُكنيه أبا محمد والواقع أن كنيته أبو عبد الله واسمه محمد، كما ورد في غالب النسخ المخطوطة الموجودة من رحلته وكما يُكنيه من يذكره من المؤرخين وغيرهم ويرجع هذا الغلط لكونه يلتبس كذلك بابن الحاج العبدري الفاسي صاحب المدخل وكنيته أبو محمد"(2) كما أن المؤرخ الثبت حسين مؤنس تحدث في الموضوع مفصِّلا القول في العبادرة الثلاثة(3). وبيِّن أن الفرز بين المؤلفين والدقة في نسبة المؤلفات لأصحابها يقصد به ضبط المعلومات ووضعها في إطارها، فابن الحاج قاض وفقيه(4) ومن ثم فإن تناوله للقضايا الحضارية واستشهاده بالبعض منها أو إبداء الرأي فيها سيركن فيه إلى الآليات الفقهية في التعليل والترجيح والحكم أما العبدري الرحالة(5) فلن يتجاوز الوصف والنقل والرواية.
ومرّة ثالثة تذكر للكتابين مُؤلـِّفين اثنين رغم أن مؤلـِّفهما واحد ففي الصفحة 954 ذكرت كتابين لطرطوشِيَيْن اثنين الأوّل منهما سمّته محمد بن الوليد والثاني أبو بكر والصحيح أن صاحبنا اسمه أبو بكر محمد بن الوليد بن خلف الفهري الأندلسي(6)، فلو قرأت آمال مقدمات الكتابين في الطبعات الثلاث أو تأملت مليًّا في غلاف طبعة الطالبي للحوادث والبدع لـَمَا أوقعت نفسها في هذا الخلط الشنيع.
ومرّة رابعة تنسب الكتاب لغير صاحبه فمفاتيح الغيب الذي ألفه فخر الدين الرازي نسبته إلى آخر من الريّ هو أبو بكر الرازي، ورغم التباعد الفكري والمنهجي بين الرجلين فإن آمال لم تتفطن إلى أنها بهذا الخطأ تؤشر على جهلها بأبي بكر الرازي أحد أهمّ مفكري الإسلام وعباقرته وأكثرهم إنتاجا في ميادين الطب والفلسفة والكيمياء(7) فمن يخلط بين الرازيَيْن الفخر وأبي بكر هل نستثيقه في غيرهما.
ومرّة خامسة تنسب الكتاب لآخر لتشابه في الأسماء ففي الصفحة 948 نسبت لابن بسام صاحب "الذخيرة في محاسن أهل الجزيرة" كتاب "نهاية الرتبة في طلب الحسبة" وفاتها أن المُؤلـِّفين مُختلفان فصاحب الذخيرة توفي سنة 542هـ وصاحب النهاية عاش في القرن الثامن للهجرة ولأن آمال لا تقرأ من المصادر التي تدعي اعتمادها إلا بعض النتف من هنا وهناك لم تتفطن لِمَا ورد في مقدمة الدكتور السيد الباز العريني لتحقيقه نهاية الرتبة للشيزري واعتقدت واهمة أنهما شخص واحد، قال السيد:"وأما كتاب نهاية الرتبة في طلب الحسبة لابن بسام الذي عاش في القرن الثامن الهجري (الرابع عشر الميلادي) فيبدو كذلك أن معظمه منقول من كتاب الشيزري إذ أنه فضلا عن اتفاقه مع كتاب الشيزري في العنوان فإن مقدمتهما واحدة وذلك باعتراف ابن بسام نفسه بل يبدو أن ابن بسام أخذ تأليف الشيزري فنسبه إلى نفسه عنوانا ومتنا"(8) ولأن ناشر نهاية الرتبة لابن بسام اكتفى بإيراد النص دون تحقيق أو دراسة أو تقديم أو تعريف بصاحبه توهَّمت آمال أن كل أبيض شحمة وكل أسود فحمة فخلـَّطت وفق ما وسعها الجهد.
4) إغفال ذكر المحققين
رغم أن آمال اعتمدت عددا كبيرا من النصوص المحققة إلا أنها تعمّدت عدم ذكر المحققين وهو أمر لافت للنظر لأن الباحث بتفضيله الاستناد إلى تحقيق على آخر يكشف قدرته على تمييز الطبعة الأحسن والأجود من ذلك اعتماد آمال على الطبعة الشعبية للقوانين الفقهية لابن جزي رغم وجود طبعة تونسية صدرت سنة 1926 صحّحها وكتب مقدمتها الشيخ معاوية التميمي أو اعتمادها نصوصا جُمعت دون تحقيق نشرتها دار الجمل التي حرصت فقط على التأكيد على ذكر مصمِّم الغلاف لأنه رسم صورة امرأة عارية أو تغييبها ذكر الأستاذين جليل العطية وجمال جمعة اللذين استندت إليهما عشرات المرات في تحقيقهما لكتب الأصفهاني والتيفاشي والنفزاوي والتجاني والأمثلة كثيرة تندّ عن الحصر، هذا التخليط في اختيار النصوص المحققة يظهر كذلك في اعتماد الترجمة الأسوأ مع وجود الجيِّدة من ذلك إهمالها ترجمة فؤاد زكريا لجمهورية أفلاطون واعتمادها ترجمة حنا خباز.
الذكورة والأنوثة
قبل سنتين وعند صدور هذا الكتاب نشرت بعض المجلات أحاديث مع آمال أشادت فيه بمؤلفها المذكور باعتباره فتحا في الدراسات الإنسانية وإضافة للأطاريح الجامعية المنشورة، رغم أننا نعلم علم اليقين أن البعض إن أشادوا بكتاب أو قدَّموه فإنهم يفعلون ذلك من باب المجاملة لأن حياتنا الثقافية تفتقر إلى القراءة النقدية الجادة كما يفتقر مثقفونا إلى سعة الصدر والقدرة على قبول الرأي المخالف إذ تلتبس الفكرة بقائلها لتصبح بذلك معالجتها تجريحا وتقويمها شتما وتصحيحها قدحا في قيمة أصحابها والمواقع التي يحتلونها.
قرأت هذا الكتاب مرّة أولى فدهشت لِمَا عليه من هوان وتلبيس وتدليس فقلت علني أخطأت الحكم لجدّة في المصطلحات المستعملة، فقرأته مرة ثانية بتأن وتؤدة لأجد أن حكمي الأوّل لا يصفه بما هو عليه، فالتخليط بلغ مداه والتدليس تجاوز كل حدٍّ والتلبيس فاق الوصف والتزوير لم يترك فكرة أو قولا إلا تناولهما.
يدور كتاب آمال حول فكرة واحدة لم تتوقف عن تكرارها بصِيَغ مختلفة هي التالية:"إن خصائص الذكورة أو الأنوثة ليست وليدة عوامل فيزيولوجية بقدر ما هي من صنع الثقافة ومحصلة اختيارات الجماعة"(9) فـ:"الجسد معطى ثقافي"(10) كما أن:"هويّة المرأة هويّة مفروضة عليها باعتبار أنها ملزمة بالتشبث بصفات حدّدها المجتمع الذكوري"(11) وهو ما تسميه "الجندرة" الأمر الذي يعني لديها أن الذكورة والأنوثة صفات يصنعها الإنسان ويمكنه أن يتصرف فيها فيقلب الذكر أنثى والأنثى ذكرا، يقول عبد المجيد الشرفي:" إن المجتمع هو الذي يشكل الاختلاف بين الذكورة والأنوثة أكثر من أي عامل آخر"(12) هذه الدعوة نشأت وشاعت في البلاد الأنقلوسكسونية مستهدفة تشريع الزواج المثلي وفتح العلاقات الجنسية على بعضها البعض تحت ستار البحث والمساواة. ضمن هذا التصوّر أجهدت آمال نفسها فجمعت من نادر الأحداث وضعيف الأخبار ورائج الأكاذيب وشاذ التقاليد ما اعتقدت أنه يساعد على إكساب "الجندرة" قدرا من المصداقية والقبول، ففي حديثها عن الطفل تقول آمال:"وهكذا يتم غرس المنظومة القيمية شيئا فشيئا في جسده الذي لا يمكن أن يكون بأي حال من الأحوال قائما بذاته مستقلا عن الجماعة بل هو معطى ثقافي يتنزل في قلب الرمزية الاجتماعية وهو نتاج بناء اجتماعي وثقافي وإيديولوجي"(13) ولسائل أن يسأل كيف يمكن أن تُغرس القيم في الجسد؟ ومنذ متى كان الجسد غير قائم بذاته وغير مستقل عن الجماعة؟ وهل أن الفوارق بين جسدي كل من الأنثى والذكر هي فوارق أصليَّة طبيعيَّة أو أنها مضافة مركبة؟ ثم ما قولها في الآلة الجنسية هل أن المجتمع هو الذي يحدِّد هيئتها وارتباطها بباقي أعضاء الجسم والوظائف التي ستؤديها أو أنها معطاة دون تدخل من الإنسان؟.
علما بأن العورة تحتلُّ موقعا مركزيا في كتاب آمال حيث تحضر الإيحاءات الجنسية وتخترع المصطلحات فالأنف "رمز قضيبي"(14) و"القلم والسيف والرمح والعصا وغيرها من الأدوات ملتصقة بالذكور لصلتها بالقضيب"(15) و"شعر الشارب رمز قضيبي"(16) و"الناي والمزمار.. رمز قضيبي"(17) و"الصوت رمز قضيبي"(18) كما أن كلّ ما هو مدوّر كالدفِّ والأذن والطبل والغربال والفم يذكر بالفرج(19) ولسائل أن يسأل آمال ما قولها في البيانو أو آلة القانون أو فتحتي الأنف والدبر لدى الذكر؟.
تقول آمال:"إن حرص المجتمع على التحكم في هيئة الفرد دليل على أن الاختلاف بين الجنسين بناء اجتماعي"(20) وهو استدلال عجيب لم يأت به الأوائل ولا الأواخر فالمقدمات غير النتائج، إن هيئة الفرد التي تشمل اللباس والزينة وغيرهما تدلّ على جنس الفرد ذكرا كان أو أنثى وليست دليلا على أن المجتمع هو الذي جعله ذكرا أو أنثى.
تقول آمال:"كما أن هناك فارقا بين أعمال الرجال وأعمال النساء أي جندرة للمهن فمهنة النائحة أقرب إلى طبيعة المرأة التي تجعلها تعبر عن حاجاتها بواسطة البكاء والأمر بالمثل بالنسبة إلى عمل المرضعات والدايات"(21)، تنقسم هذه الجملة إلى قسمين الأوّل منهما قولها جندرة المهن وهو مصطلح أخذته من كتاب "تاريخ إسرائيل، الحياة الدينية والاجتماعية" ألفه الربِّي صالو ويتماير بارون (1895ـ1989) وهو حبر يهودي بولوني شارك بالشهادة ضد أدولف إيخمان الذي اختطفته المخابرات الإسرائيلية وحاكمته الدولة الصهيونية سنة 1961 ويعدّه يوسف حاييم يروشالمي أعظم مؤرخ يهودي في القرن العشرين، والقسم الثاني حاولت أن تأتي فيه ببعض الأمثلة التي تعضد بها هذا المصطلح الصهيوني الإسرائيلي إلا أن سهمها صاف عن المرمى فالنائحة لدينا تبكي الميت لأنها مصابة بفقده وليس لأنها أنثى، ألا يبكي الذكور ويولولون كلما عظم المصاب؟، ثم ما القول في جنازات جمال عبد الناصر وأم كلثوم وعبد الحليم حافظ أو احتفالات عاشوراء لدى الشيعة حيث تقام مواكب اللطم للرجال وللنساء؟، أما بالنسبة للمرضعة فلم نسمع أن ذكرا أرضع في غابر الأزمان ولا في حاضرها، وما قولها اليوم في طبيب ولادة ألا يقوم بدور الداية بعد الدراسة والتخرج؟ فأين هي جندرة المهن المتحدث عنها؟.
تقول آمال:"إن حضور المرأة يربك الرجال ويحدث تشويشا في عالمهم ولذا بدا من الضروري تقليص هذا الحضور بجعله محتشما ومتخفيا فتقع جندرة الزمان فتمنع بعض المجتمعات حضور المرأة نهارا فلا يكون خروجها إلا ليلا كما تلجأ مجتمعات أخرى إلى إصدار الأوامر بمنعهن من الخروج"(22) مضيفة لما ذكر:"كان خروج المرأة للصلاة ليلا متماشيا مع مبدأ الحجب خلاف بروزها في وضح النهار الذي نظر إليه على أنه اعتداء على النظام والفضاء الرمزي"(23)، هكذا يُلقى الكلام على عواهنه دون محدِّدات أو ضوابط فالتعميم مقصود لتمرير الجندرة وللقارئ أن يبحث عبثا عن المجتمعات التي تمنع ظهور المرأة نهارا وعن الصلاة التي تقام ليلا للنسوة، وبما أن الهدف الذي تبغي آمال الوصول إليه يتمثل في ترويج مقولات أعاجم الجندرة فإنها تستبيح كل الأساليب من ذلك استنادها إلى بعض الأوامر التي أصدرها الحاكم بأمر الله كمنعه النسوة من الخروج واستثنائه العجائز من ذلك(24)، وفاتها أن الحاكم بأمر الله شخصية غريبة الأطوار يقول عنه عبد الله عنان بأنه:"حرَّم الجرجير مثلا لأنه ينسب إلى السيدة عائشة وحُرِّمت الملوخيا لأنها كانت من الأشياء المحبوبة لمعاوية.... وحَرَّم على النساء أن يكشفن وجوههن في الطريق أو خلف الجنائز وحَرَّم عليهن التزين والتبرج كما حَرَّم البكاء والعويل والصياح وراء الموتى... ثم حَرَّم على الناس أن يخرجوا من منازلهم إلى الطرقات منذ الغروب إلى الفجر وأن يزاولوا البيع والشراء بالليل... وكان الحاكم يعقد مجالسه ليلا ويواصل الركوب وينفق شطرا كبيرا من الليل في جوب الشوارع والأزقة"(25) والثابت تاريخيا أن الحاكم بأمر الله لم يكن يصدر في تصرفاته عن رؤية واضحة، فالهوى والمذهبية المنغلقة يغلبان عليه إذ يشتد في مرّة ويعفو في أخرى دون ضابط، لهذا السبب بالذات لا يمكن إدراج مراسيمه الاجتماعية ضمن التيار الثقافي العام.
تقول آمال:"إن الأمومة ليست غريزة فطرية كما يدعي أغلبهم بل هي مكتسبة عبر التدريب المتدرج منذ الترعرع"(26) وبَيِّنٌ أن هذا الكلام لا يستند إلى منطق أو واقع فلو نظرنا إلى عالم الحيوان للاحظنا أن الأنثى تتميز عن الذكر بعاطفة الأمومة فاللبؤة تحمي صغارها من الأسد المتربِّص بهم وأنثى التمساح تحمل صغارها بين فكيها رغم أن هذين الفكين قادران على سحق عظام أي حيوان أوقعه حظه السيئ بينهما، وما القول في القطة التي تحمل صغارها وتنقلهم من الموقع إلى الآخر بغية حمايتهم... فمن عَلـَّم الحيوان هذه العاطفة؟ وكيف يمكن أن تظهر هذه العاطفة لدى الإناث جميعا لو لم تكن أصليَّة طبيعيَّة غير مكتسبة؟، ثم تقول:"إن تصنيع الثقافة للأنوثة بإخضاع الجسد لشروطها يقيم الدليل على أن الأنوثة مفهوم ثقافي لا طبيعي"(27)، على هذا النسق الغريب من الاستدلال الذي لم يسبقها إليه أحد تجهد آمال نفسها لإقناعنا بما لا يجوز عقلا وممتنع واقعا، فكيف يمكن أن يصدق المرء أن الأنوثة مفهوم ثقافي؟ فالإنسان يولد ذكرا أو أنثى ولا دخل للمجتمع ولا لأي كان في تحديد جنسه، أما ما يطرأ عليه فيما بعد من لباس وعادات وتقاليد واحتفالات وقص شعر... وما يصطلح على تسميته بالثقافة فهي وحدها من صنع البشر. ويصل العبث مداه لما تكتب آمال ما يلي:"فرضت العدة على الزوجة لا على الزوج... لا يبكي الرجالُ النساءَ ولا يحتدون ولا تفرض عليهم عدّة"(28) وهي بهذا الكلام تتعسف وتلوي عنق المفاهيم وتخرق ما أجمع عليه الخلق جميعا من أن العدّة فترة زمنية مقرّرة لاستبراء الرحم فرضت على الأنثى لوفاة زوجها أو لطلاقها منه حتى تثبت الحقوق المادية والأدبية وإنما فرضت العدّة على المرأة لأنها الرحم الذي يحمل النطفة، فكيف يمكن أن تفرض العدّة على الرجل؟، أما الرضاع فتأتي فيه آمال بما لا يخطر على بال تقول:"إن إبعاد الحضري والغني عن أمّه... يخفي خشية المجتمع من قرابة الرضاع بين الأم وولدها ذلك أنها قرابة متعة ولذة أساسها الفم وهو كما نعلم عضو الشراهة فقد تؤدي هذه العلاقة إلى ارتكاب سفاح القربى..."(29) وهي بهذا تدعو صراحة إلى الاستغناء عن الرضاع لتخريب عاطفتي البنوّة والأمومة بحجة أنه قد يؤدي إلى سفاح القربى، فسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا به. ومن عجائب ما ورد في هذه الأطروحة التي أشرف عليها وأجازها عبد المجيد الشرفي قول آمال:"أثر مفهوم القوامة في مكانة المرأة في المجتمع وحدد الوظائف والأدوار التي كلفت بها فجعلها أزلية حتى يضمن استقرار البنية الاجتماعية ويحقق مصالح المجتمع الذكوري المتعددة مثل الإنجاب..."(30) والمفهوم من هذا الكلام أن الإنجاب الذي يشمل تلقيح البويضة في رحم المرأة وتخلق الجنين ونموّه في بطنها ثم الوضع إنما هو من صنع المجتمع لأنه هو الذي خصَّ الأنثى بأداء هذه الوظيفة !!!، وفي صفحة أخرى تقول بأن:"الرجل حُرم من النهوض بدور الإنجاب"(31) بهذا الأسلوب المتعسِّف تخلط آمال بين الذكورة والأنوثة لتضيع التخوم وتختل الأدوار المناطة بعهدة كل واحد منهما، فتحت راية المساواة تهدم البيت على من فيه .
أمّا الجماع فإنه هو الآخر لم يسلم من جندرة آمال تقول:"اعتبر اعتلاء المرأة الرجل حجة على فساد أخلاقها ونقص أنوثتها... ويمكن القول إن أسباب رفض هذا الشكل من النكاح راجعة إلى مقت تشبه النساء بالرجال والخوف من انقلاب المعايير وتصدع البناء الاجتماعي وكذا النظام الجندري، كما أن لموقف الرفض دوافع أخرى ميثية إذ لما كان حضور المرأة مقترنا في المتخيل الجمعي بالشيطان فقد كان من المحتم على الرجل أن يعتليها لأنه مكلف بقهر الشيطان وجهاده من خلالها... وفق هذا الطرح هل يمكن القول إن تعدّد الزوجات هو الآخر شكل من أشكال جهاد الشيطان لاكتساب مزيد الأجر والثواب؟... ونرجح أن من بين أسباب رفض الجماع على جنب أن الرجل والمرأة يكونان فيه في المستوى نفسه فيختفي تميز الذكر على الأنثى... فصعود المرأة يجعل الرجل مفعولا به ... وفي غمرة الاستكانة تضيع الفحولة فيتحول الرجل إلى موضوع شوق المرأة بل إنه يصبح مخصيا وأنى للرجل بعد ذلك أن يستعيد دوره في الحياة الزوجية والاجتماعية !.. ليس الجماع فعلا بيولوجيا بقدر ما هو بنية رمزية وبناء ثقافي متصل بالجندرة"(32) لو كان الجماع كما ذكرت آمال فما قولها في جماع الحيوانات؟ ومن جندرهم يا ترى؟، هذا النسق الغريب من الفهم والاستنتاج والتعليل يُدْرَس ويُدَرَّس في قسم الحضارة بمنوبة فيُعطى مُرَوِّجوه الرتب العلمية ويُـعَـيَّـنـون أعضاء في المجالس واللجان ويوصفون بأنهم من النخبة وأصحاب الرأي وتحتلّ صُوَرُهُم صفحات الجرائد والمجلات ظلما وعدوانا وما دَرَوْا أن الزمن كفيل بتجريد المرء من كلّ ما زاد على حقه إن عاجلا أو آجلا.
في الصفحة الأولى من الفصل الذي خصّصته للحديث عن العلاقة الزوجيّة كتبت آمال ما يلي:"شكلت دراسة العلاقة الزوجية موضوع اهتمام القدامى والمحدثين على حد السواء. في حين أن علاقة الأخ بأخته أو علاقة الأب بابنته لم تنالا حظهما من العناية... إن علاقة الذكر بالأنثى تتجلى بالفعل من خلال العلاقة الزوجية خلاف علاقة الأخ بأخته التي يغيب فيها بعد الجنسانية ووظيفة الإنجاب والنهوض بمختلف الأدوار"(33) إن حصر العلاقة بين الذكر والأنثى في بعدها الجنسي فقط يهدم كل أنواع العلاقات الأخرى كالأبوة والبنوة والخؤولة والعمومة... فضلا عن أنه يمثل دعوة صريحة للفوضى الجنسية بالقضاء على المحارم وهتك الأعراض وهو ما يسعى إليه أعاجم الجندرة ومن لفَّ لفـَّهم في قسم الحضارة بمنوبة.
في الصفحة 60 من سفر الجندرة كتبت آمال ما يلي:"ولعل عسر ولادة البنت دال على تردُّدها في أن تحتل موقعا في المجتمع"، لو حملنا هذا الكلام على محمل الجدِّ فما القول يا ترى في السبوعية التي ولدت في شهرها السابع قبل أن تتم التسعة أشهر؟ هل يصحُّ القول بأنها كانت متعجلة لتحتل موقعا في المجتمع؟. وفي موقع آخر تتساءل آمال:"هل كانت طريقة أكل النساء مختلفة عن طريقة أكل الرجال؟" ثم تجيب نفسها قائلة بأن:"دارس آداب المؤاكلة... يعجز عن الإجابة عنها نظرا لانعدام الأدلة" ثم تتساءل مرة أخرى:"أكانت المرأة تنهش اللحم وتلعق أصابعها كما يفعل الرجل الذي يقتدي بالسنة..."(34) نترك التعليق على ما ذكر ونمضي إلى غيرها.
استندت آمال في كل ما سوّدت على أعاجم الجندرة من الشواذ فتنقل عنهم الفكرة ثم تفتش لها عن مستندات في تراثنا العربي الإسلامي أيًّا كان مصدرها أو مذهب صاحبها أو الإطار الذي قيلت فيه لهذا السبب بالذات خلـّطت في إيراد النصوص التي تستشهد بها فعند حديثها عن الأذان(35) في أذن المولود وهي مسألة لا علم لأعاجم الجندرة بها لم تجد آمال ما تقول ولأنها تنقل عنهم دون بصيرة لم تقدر إلا على تسويد أسطر معدودات نقلت فيها خبرا عن الحسن والحسين(ض) ولم تدر أنها تنقل عن شيعي.
ولأن أعاجم الجندرة استطاعوا ـ لأسباب تاريخية خاصة بهم ـ دفع الكنيسة إلى إصدار طبعة من الكتاب المقدس حُيِّدَت فيها كل الألفاظ وخُـنِّـثـت اللغة فغاب المذكر والمؤنث في سابقة تاريخية لا نظير لها(36) فإن آمال حاولت السير على نهجهم وذلك بشيء من التخفي والمناورة تقول بأنه يجب أن:"ننتبه إلى انحياز اللغة وسعيها إلى إقامة الفصل بين الجنسين خدمة للنظام الجندري"(37) الأمر الذي يعني لديها أن صيغة المذكر والمؤنث في اللغة لا تصف واقعا بل تكرّس تفرقة بين الذكور والإناث وتستند في ذلك إلى الخنثى الذي التبس أمره من الناحية الجنسية لتشوُّه خلقي تقول بـ:"أن الحديث عن الخنثى ورد بصيغة المذكر... (مستنتجة من ذلك أنه) لم يعد بإمكان المنظومة الفقهية الحديث عن الذكر والأنثى ... فاللغة العربية نفسها تعكس هذا الفصل بين الجنسين باعتبار أنها لا تملك ضميرا محايدا، فكيف يتم التخاطب مع هذه النماذج وما يقال عند الحديث عن الخنثى:هو أم هي"(38) بهذا الأسلوب الملتوي المخاتل تسعى آمال بعد اتهام اللغة إلى تحييدها لتضيع بذلك الحدود بين الذكر والأنثى فيخرب الجهاز المفاهيمي القائم على التمييز بينهما وتهدم الأسرة ويقضى على التنظيم الاجتماعي، فمن يتجرأ اليوم على الدعوة إلى تخنيث المصطلحات الفقهية والقانونية لن يجد غضاضة إن سمحت الظروف في الدعوة إلى تغيير القرآن تحت ستار تحييد اللغة كما صنع أعاجم الجندرة مع الكتاب المقدس.
التلبيس
لغة هو التدليس والتخليط حتى يلتبس الأمر على الطرف المقابل وهي حيلة يلجأ إليها الذين يستهدفون الترويج للأهواء ونزعات النفوس موهمين الناس بأنها تستند إلى صحيح النظر ودقيق الحجاج ولنا فيما سوَّدت آمال أمثلة تندُّ عن الحصر نجملها فيما يلي:
1) انحرافها بالمصطلحات عن معانيها، ففي حديثها عن الصلاة قالت بأنها:"ليست إلا صياغة بشرية نابعة من المعايير الاجتماعية والمواضعات الثقافية السائدة في المجتمع والعصر"(39). في تقديرنا أن الحديث عن عبادة الصلاة يجب أن يأخذ بعين الاعتبار الإطار الثقافي الذي ضمنه نُحت المصطلح فالصلاة في الديانات الوضعيّة كالبوذيّة وغيرها هي غير الصلاة في الإسلام لأن هذه الأخيرة تستند إلى الوحي فالرسول (ص) هو الذي علم الناس الصلاة التي عرَّفها الفقهاء تبعا لذلك بأنها:"أقوال وأفعال يُقصد بها تعظيم الله مفتتحة بالتكبير ومختتمة بالتسليم، بأركان محدّدة وشرائط خاصّة في أوقات مقدّرة" أي أنها تُؤدَّى كما أدَّاها الرسول (ص) ولا يجوز لأيٍّ كان أن يُغيِّر فيها بالإضافة أو الإنقاص أو التقديم أو التأخير، وبَيِّنٌ أن هذا التعريف جامع مانع أما تعريف آمال فإنه يصدق على كل شيء فلو أبدلنا لفظ الصلاة بالمسرح أو الموسيقى أو رقص البالي... لما تغيَّر معنى الجملة، فضلا عن أن المقصود من إيراده بهذا الشكل التمهيد لتخريب الصلاة بتغيير طريقة أدائها ونشر الأوهام حولها من ذلك ادعاؤها بـ:"كثرة القيود المفروضة على المرأة أثناءأداء الصلاة قياسا بالرجل وهي قيود تستهدف تقليص حجم جسدها... أما الرجل فيطلب منه البسط والمد والانتصاب والتفريج"(40) وهو كلام مكذوب من ألفه إلى يائه لأن أحكام الصلاة واحدة بالنسبة إلى الذكر والأنثى إلا فيما اقتضته الطبيعة كحالات الحيض أو النفاس أما "تقليص حجم الجسد" الذي ادّعت أنه خاصٌّ بالمرأة فمحض اختلاق إذ رُوي عن أنس أن النبي (ص) قال:"رصّوا صفوفكم وقاربوا بينها وحاذوا بالأعناق"(41) وهو حكم عام يشمل الذكور والإناث الكبار والصغار جميعا بدون استثناء.
وفي صفحة أخرى تأتي آمال بالعجب العجاب ورغم طول الفقرة فإننا نوردها كاملة حتى يتأمل القارئ المهانة الفكرية التي يصل إليها الإنسان لمَّا تغيب الموضوعيَّة والدقة والمعرفة وتحضر الأهواء المنفلتة من أي عقال، تقول:"ويوحي السلوك الحركي الذي تفرضه الصلاة بأشكال من الجماع، منها ما يكون في القيام، ومنها في القعود، ومنها في الانبطاح، ومنها في الانحناء الذي تنحني فيه المرأة كأنها راكعة، ومنها الإدبار المتمثل في وطء المرأة وهي مجباة، ويتضح بعد الجنسانية الحاضر في الممارسة الطقسية في موقف السحاقيات من الصلاة. فقد عزفن عن ممارستها لأجل الركوع لأن هذا السلوك الحركي لا يرتبط في أذهانهن بالخشوع لله بقدر ما يذكرهن بالاستسلام للرجل ولرغباته"(42) !!!.
2) تحريفها الاستشهادات والتصرف فيها بالإضافة والتحوير ثم نِسبتها إلى أصحابها على غير صورتها الأصليَّة من ذلك أن آمال استعملت كتاب "وصف إفريقيا" للحسن بن محمد الوزان المعروف بليون الإفريقي الذي وصف فيه مشاهداته في البلاد الإفريقية كبلاد البربر والجريد والصحراء الكبرى والسودان... فعند وصفه لعادات أهل فاس قال الوزان:"وإذا اتفق أن العروس لم تكن بكرا ردَّها الزوج إلى أبيها وأمّها وفي ذلك عار كبير عليهما لا سيما وأن جميع المدعوين ينصرفون دون أكل"(43)، هذه المعلومة الخاصة بمدينة فاس عمَّمتها آمال على مختلف المجتمعات الإسلامية ولم تكتف بذلك بل تصرفت فيها بالإضافة تقول:"أما إذا اتفق أن كانت العروس قد فقدت بكارتها بوثبة أو غيرها ردها إلى أهلها"(44) بهذا الأسلوب تدلـِّس آمال قول الوزان فلفظ الوثبة مضاف وفيه إحالة للقارئ على ما دأبت الحركات النسوية على ترويجه من أن غشاء البكارة إنما يثقب بالوثب والقفز. في الجزء الثاني من كتابه خصَّص الوزان فصلا تحدث فيه عن عادات سكان القاهرة وأرباضها وممارساتهم جاء فيه:"ولباس السيدات فاخر، يخرجن متبرجات بالحلي، يحملن أكاليل على جباههن وعقودا في أعناقهن، ويضعن على رؤوسهن غطاء ثمينا ضيقا عاليا بقدر شبر على شكل أنبوب. ويتكوَّن لباسهن من فستان من الجوخ ضيق الأكمام ويختلف نوع الثوب، لكن الفستان مصنوع بعناية ومزدان بطرز جميل. ويتدثرن بغطاء من نسيج القطن بالغ الدقة والنعومة مستورد من الهند. ويضعن على وجوههن غلالة سوداء رقيقة جدا لكنها خشنة بعض الشيء وكأنها مصنوعة من الشعر. يستطعن هكذا رؤية الرجال دون أن يعرفوهن. وينتعلن أخفافا أو أحذية جميلة على الطراز التركي. وهؤلاء النساء متصنعات يعرن للقيل والقال أهمية كبرى، إلى حدّ أن أية واحدة منهن لا ترضى أن تقوم بالغزل أو الخياطة أو الطهي، فيضطر الزوج إلى شراء الطعام جاهزا من الطباخين خارج البيت. ويطبخ القليل من الناس طعامهم في منازلهم، ما عدا الأسر الكثيرة الأفراد. وتتمتع هؤلاء السيدات بحرية كبيرة واستقلال كثير. فإذا ذهب الزوج إلى دكانه ارتدت زوجته لباسها وتعطرت، ثم ركبت حمارا وخرجت للتنزه في المدينة وزيارة أهلها وأصحابها"(45).
هذا الوصف الرائع لنساء القاهرة ولِمَا يرفلن فيه من حلل واستقلال وحرية تنحرف به آمال إلى تأكيد معان أخرى لم تجُل بخاطر الوزان متوهِّمة أنها تخدم قضية المرأة بإشاعة الأكاذيب وليتأمّل القارئ كيف أصبح حال المرأة القاهريَّة بعد التعميم، تقول آمال:"وفي مقابل تثمين دور الزوج وتمتعه بعدد من الامتيازات عمل المجتمع على جعل المرأة قعيدة البيت وستيرة لا تخرج ولا تعمل حتى لا تفوِّت حق البعل في الاستمتاع بجسدها وبممارسة الهيمنة عليها. وصارت الغنية مجبرة على الكسل والتواكل والفراغ لتوافر من يقوم بخدمتها، لا وظيفة لها سوى تفريغ نفسها لمصالح الزوج وحبس نفسها على ذمته والإنجاب. ولم تتوان الثقافة العالمة عن نسج صورة للزوجة. فكانت مثلها مثل الصبي متوكلة على الزوج فيما تحتاج إليه من الطعام والشراب واللباس وغيره تقضي طوال النهار مشغولة بالزينة لا تفكر في أمر المعاش ولا يهمها طلبه قلبها ساكن ونفسها هادئة. فإذا بالزوج يقصد دكانه للتكسب والزوجة تتعطر ثم تركب حمارا وتخرج للتنزه"(46).
هذا الأسلوب الذي تنتهجه آمال في التعميم والاحتفاء بالشاذ وإشاعته وفي تحريف نصوص الآخرين والانحراف بها عن سياقها الذي وردت فيه وعمّا قصد أصحابها يكاد يكون سمة من سمات ما سوّدت إذ تنسب لابن عرضون قولا نقله عن ابن الحاج كتبت تقول:"من ذلك مقايضة الجماع بالمال، وهو سلوك شاع لدى الأزواج فالزوجة إذا جاءت إلى الفراش تأخذ شيئا يعطيه لها زوجها في الغالب غير نفقتها حسب حاله وحالها لحق الفراش على ما يزعمن"(47). وبالعودة إلى نص ابن عرضون في نفس الصفحة التي استشهدت بها آمال نجد أنها لم تكتف بالتحريف المتعمد بل تجاوزت ذلك إلى تغيير الأحكام وقلبها في جرأة لا نظير لها، يقول ابن عرضون عند حديثه عن البدع البربرية في الأعراس:"ومن البدع المحرَّمة أن يدفع العروس لعروسه شيئا من الدراهم لكي يحلَّ سراويلها قال ابن الحاج في مدخله وقد وقع بمدينة فاس أن الرجل إذا دخل على زوجته يعطي فضة قبل حلِّ السراويل فبلغ ذلك العلماء فقالوا شبيه بالزنى فمنعوه وقد حذر من ذلك سيدي أحمد زروق في النصيحة له"(48).
3) أمّا ثالثة الأثافي فهي اتهام آمال بالاختلاس وهي رذيلة انتشرت في الوسط الثقافي والجامعي إذ لا تمرّ سنة إلا ونسمع بفضيحة تشيب لها الولدان والسرقات الفكرية أنواع كما أن اللصوص أصناف:
ـ فمنهم من يتجرأ على سرقة كتاب أو نص كامل فينسبه لنفسه بمنتهى الصفاقة.
ـ ومنهم من يتعمد سرقة نص كامل من لغة وينقله إلى لغة أخرى ولعلَّ المثال الأشهر أطروحة أركون التي نشرها باسمه والحال أن عمله لم يتجاوز ترجمة الدراسة الرائدة للمرحوم عبد العزيز عزت الصادرة سنة 1946 في جزأين.
ـ أما النوع الثالث وهو الدارج حيث يعمد اللصوص إلى اختيار مواضيع سبق أن درسها باحثون آخرون إذ ينهبون الأطر الفكريَّة والمصادر والمراجع والمفاهيم والنتائج ويكتفون بخلطها وإعادة ترتيبها من جديد فيقدمون فكرة ويؤخرون أخرى متوهمين بذلك أنهم قادرون على التمويه على القراء والفرار بجريمتهم.
سنة 2000 نشرت دار رياض الريس دراسة لإبراهيم محمود عنوانها "المتعة المحظورة، الشذوذ الجنسي في تاريخ العرب" كما سبق أن نشر دراسة أخرى عنوانها "الجنس في القرآن" سنة 1994عن نفس الدار، هذان الكتابان استغلتهما آمال استغلالا كاملا كاد أن يصل في أحيان كثيرة إلى حد النقل الحرفي. بعد أن نشرت آمال كتابها تفطن إبراهيم إلى المسألة فنشر مقالا في جريدة الزمان الدوليّة العدد 3023 المؤرخ في 17 جوان 2008 جاء فيه:"وأنا متأكد أنها أخذت عنهما الكثير بأكثر من صياغة دون أن تشير إلى ذلك... إن قراءة النقاط التي أوردَتها وما ورد في كتابي (يقصد المتعة المحظورة) تفصح عمَّا تقدم... في وسع القارئ أن يلاحظ مدى الاقتباس والتحوير الجاري دون التذكير بذلك إطلاقا... إن كل ذلك يقلل من مصداقية الباحثة وجانب الأمانة البحثية... ولكن الذي يظهر وكما أرى هو أن صياغات كثيرة لأهم فقرات من كتابها... ومن خلال التفاوت في البنية اللغوية أو طريقة التعبير من فصل إلى آخر أو فقرة إلى أخرى تُظهر الارتباط غير المسمّى بكتابي (المتعة أوّلا) واختلاسها للعديد المهمّ من أفكارها منه إنه اختلاف في الاختلاف ولكنه اختلاف يُبرز حالة تجاهل جهد الآخر واعتبار الجهد المتحصل جهدها هنا ويا لها من حالة تزييف للذات هذه وفي الوسط الأكاديمي". وبمقارنة فصول مختلفة من الكتابين تبيّن لنا أن الرجل صادق فيما ذهب إليه فالظلم واضح والدليل بَيِّنٌ، بعد مرور ما يفوق السنتين لم تدافع آمال عن نفسها ولم تنف هذه التهمة الخطيرة الماسّة بالشرف العلمي، ولا يخلو الحال من أمرين لا ثالث لهما إمّا أن آمال تعتقد أننا لا نقرأ ومن ثم فضلت الصمت أو أنها مقرَّة ضمنيا بالاتهام.
الهوامش:
1) الاختلاف، ص 8.
2) المقدمة، ص ج.
3) الجغرافيون في الأندلس، ص 518.
4) عنه في الموسوعة الفقهية الكويتية، 3/340.
5) الأعلام للزركلي، 7/32.
6) الأعلام، 7/133.
7) عنه في "مذهب الذرّة عند المسلمين وعلاقته بمذاهب اليونان والهنود" لسالومون بينس، نقله عن الألمانية محمد عبد الهادي أبو ريدة، نشر مكتبة النهضة المصرية، القاهرة 1946. وفي "من تاريخ الإلحاد في الإسلام" تأليف وترجمة عبد الرحمان بدوي، دار سينا للنشر، ط2، القاهرة1993. نشر بول كراوس الجزء الأوّل من "رسائل فلسفية لمحمد بن زكريا الرازي" في القاهرة سنة 1939، وهي الطبعة التي سطت عليها دار الآفاق الجديدة سنة 1973 وأعادت نشرها مُصَوّرة بعد أن حذفت اسم محقق النص في صفاقة لا حدود لها.
8) نهاية الرتبة للشيزري، ص ح، في دراسة للدكتور محمد جاسم الحديثي عنوانها "الحسبة وكتب التراث المؤلفة فيها" منشورة ضمن كتاب جماعي "من تاريخ العلوم عند العرب" صادر عن بيت الحكمة ببغداد سنة 1998، قال إن نهاية ابن بسام حققه حسام الدين السامرائي وطبع في مطبعة المعارف ببغداد سنة 1968 إلا أننا لم نتمكن من الإطلاع عليه .
9) الاختلاف، ص377.
10) الاختلاف، ص202.
11) الاختلاف، ص15.
12) الاختلاف، ص5.
13) الاختلاف، ص141 و142.
14) الاختلاف، ص43.
15) الاختلاف، ص284.
16) الاختلاف، ص405.
17) الاختلاف، ص441.
18) الاختلاف، ص17.
19) الاختلاف، ص182 و441 و619 و182 و371.
20) الاختلاف، ص383.
21) الاختلاف، ص605.
22) الاختلاف، ص630.
23) الاختلاف، ص501.
24) الاختلاف، ص876.
25) الحاكم بأمر الله، ص173 و129 و130 و121.
26) الاختلاف، ص271.
27) الاختلاف، ص409.
28) الاختلاف، ص571 و572.
29) الاختلاف، ص119.
30) الاختلاف، ص729.
31) الاختلاف، ص587.
32) الاختلاف، ص684 و685 و686 و689.
33) الاختلاف، ص575 و576.
34) الاختلاف، ص230.
35) الاختلاف، ص73.
36) في موقع من مواقع الأنترنيت غفلت عن توثيقه ورد ما يلي:"ومن أمثلة التغييرات التي حدثت منذ 1978 إلى الآن في إنجيل متى في الإصحاح الخامس تغيرت كلمة sons أي الأبناء الذكور إلى كلمةchildren أي الأبناء من الجنسين، وفي موضع آخر من الكتاب تغيرت كلمة man التي تعني الرجل إلى Person التي تعني الشخص أو الإنسان".
37) الاختلاف، ص427.
38) الاختلاف، ص477 و479.
39) الاختلاف، ص489.
40) الاختلاف، ص490.
41) رواه أبو داود والنسائي.
42) الاختلاف، ص514.
43) وصف إفريقيا، 1/256.
44) الاختلاف، ص708.
45) وصف إفريقيا، 2/216 و217.
46) الاختلاف، ص588.
47) الاختلاف، ص713.
48) المعرفة والجنس للديالمي، ص133
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
تونس، أمال قرامي، عبد المجيد الشرفي، كلية منوبة، الجندر، الأنثوية، نقد الدين، نقد التدين، الحداثة، التحديث، التغريب، صراعات فكرية،
تونس، أمال قرامي، عبد المجيد الشرفي، كلية منوبة، الجندر، الأنثوية، نقد الدين، نقد التدين، الحداثة، التحديث، التغريب، صراعات فكرية،
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire