lundi 17 octobre 2011

كواليس أسرار و فضائح الحزب الدّيمقراطي التقدّمي


بعد هروب بن علي ارتعدت فرائص الكثيرين خاصة المتورطين في جرائم ضد الشعب التونسي وأولهم رجل كان هو وراء الحملة الوحشية التي شنها النظام في بداية التسعينات ضد الاسلاميين. إنه رجل السي آي ايه الأول في تونس قبل حتى بن علي نفسه. بعد نتائج انتخابات 1989 التي كانت مفزعة للغرب بانتصار الاسلاميين فيها تلقى التعليمات بعمل أي شيء لأجل القضاء على مد الحركة الاسلامية في تونس. فنجح في اقناع بن علي في التصعيد معهم لأبعد الحدود وطاف على جميع التيارات السياسية في تونس يومها وأقنعها بالمناصب حينا وبالمال احيانا اما بالصمت أو المشاركة في القضاء على النهضة. هذا الرجل الذي يعتبر نافذا جدا في عدة مؤسسات سيادية في تونس خاصة وزارة الداخلية رغم خلافه مع بن علي في وقت لاحق هو المسؤول الأول عن الحملة الشعواء ضد الشعب التونسي كله لأجل تركيعه واخضاعه. هذا الرجل هو كمال لطيف الذي تواترت الأخبار عن أنه اليوم هو الرجل الاول في حكومة الظل وأنه من أبرز رجال الماسونية في تونس وأنه يتحكم في كل شيء. وأنه هو من عين حسين الديماسي والأزهر العكرمي في وزارة الداخلية ليواصل سيطرته عليها.
كمال لطيف ومباشرة بعد هروب بن علي واحساسه بخطر تواجد النهضة في الساحة السياسية لما اقترفه في حقها من جرائم انسانية أسرع بجمع ما يناهز المئة وعشرين رجل أعمال من كبار رجال الأعمال في تونس وعمل على توريطهم معه في مشروعه واقنعهم بكل السبل بأن يتحدوا ويتكاتفوا للدفاع عن مصالحهم وحمايتها بعد أن اصبحت مهددة بشدة بعد سقوط النظام ونجح في ذلك كما نجح في اقناعهم أن أكبر خطر على مصالحهم تلك هو النهضة وفي وسط الحيرة والتخبط والخوف الذي كان يشعر به رجال الأعمال انساقوا وراءه دون أن تتضح الرؤية لديه خصوصا وأن كثيرا منهم ماسونيين اصلا فضلا على علاقاتهم الاقتصادية مع الصهاينة.
وكان لزاما عليه أن يوجد البديل السياسي الذي يؤمن له اقصاء النهضة وابعادها عن السلطة ومحاصرتها للقضاء عليها فيما بعد. وكان أكبر مرشح لهذه المهمة القذرة هو نجيب الشابي وحزبه الديمقراطي التقدمي. فبناءا على معلومات كمال لطيف بتعامل قيادات الحزب مع البوليس السياسي "الاستعلامات" خصوصا أخ نجيب الشابي ولا ننسى أن البي دي بي خضع لرغبة كمال لطيف في بداية التسعينات وصمت عن قمع الاسلاميين. واضافة لعلاقات الشابي المتميزة مع فرنسا والسفارة الامريكية. فكان نجيب الشابي مع حزبه أفضل المؤهلين لتسلم السلطة في تونس وتعويض التجمع بتاريخه النضالي المشرف في العشرية الأخيرة واحتواءه على عدد لابأس به من الاسلاميين يمكنه من التمويه أمام الراي العام. فتم الاتصال الأول عبر الطيب الهويدي ثم ثان ثم ثالث ثم أصبحت العلاقة قوية بين رجل الاقتصاد الأول كمال لطيف ورجال السياسة المرشح لأن يكون الأول نجيب الشابي ليقع التزاوج الثاني بين السياسي والاقتصادي بعد التزاوج الأول بين بن علي وكمال لطيف في 1987.
وسخر كمال لطيف لنجيب الشابي كل الامكانيات الممكنة. تمويل ضخم ودعم اعلامي وأمني وسياسي واداري غير محدود وأصبح فجاة الديمقراطي التقدمي ذو حظوة عجيبة في كل قطاعات الدولة والكل ساهم في جعله البديل الصوري للتجمع. وأقبلت قيادات التجمع السابقة عليه افواجا وبدأ التجمع في التشكل من جديد. لكن هيهات لكمال لطيف أن يحقق ما يريد فلقد عجز على استعاب التغير في الزمن فشيخ في الثمانين مثله يصعب عليه استعاب التغييرات التكنولوجية المعاصرة وهو الذي لا يحسن امساك الفأرة بيده. بدأت الأمور تخرج عن السيطرة من أول يوم. دخول نجيب الشابي لحكومة الغنوشي التجمعية لم يمر بسلام وانتشر الرفض بسرعة ودفاعه المستميت على التجمعيين تمهيدا لاحتواءهم أفاض القطرة وخرج صانعوا نضالية الحزب منه افواجا بشكل عنيف أحيانا زاد في سوء موقف الحزب. وعجز كمال لطيف عن السيطرة عن المشهد الاعلامي التونسي رغم سيطرته على جميع وسائل الاعلام المرئية والمسموعة والمقروءة فالفايسبوك مثل عائقا استراتيجيا وعاملا اساسيا في فشل المسار الذي رسمه. والذي كان سيحقق نجاحا باهرا لولا الفايسبوك وتحرير المسار الاعلامي الذي فرضه فرضا. واقبال الناس على التسجيل فيه بكثافة كبيرة جدا باعتباره المصدر الاساسي للاخبار وفقدان الاعلام الرسمي المصداقية في ذلك.
وكانت القصبة2 الضربة القاصمة الأولى لمخطط كمال ثم تلته ضربات قاسية بعد فقدان نجيب الشابي المصداقية واصطفاف التونسيين جميعا في معسكرين اثنين لا ثالث لهما معسكر الثوري ومعسكر الالتفاف وتوضحت الصورة وتبين الناس كل طرف بجلاء.
وحتى معركة اللائكية التي حاولوا افتعالها لم تزد الطين عليهم الا بلة. ولكن رغم ذلك تمسكوا بشدة بنجيب الشابي لأنه لا بديل لهم غيره فحتى احمد ابراهيم ومصطفى بن جعفر أثبتا عجزهما عن تحمل المسار بأحزاب صغيرة وولاء ضعيف وامكانيات هزيلة ومستوى تعيس جدا.
وبالتوازي مع ذلك حرص كمال لطيف وعصاباته على الغاء الانتخابات بكل الصور والأشكال الممكنة أو على الأقل الحد من صلاحيات ونفوذ النهضة بعد الانتخابات في حال فشلوا في الغائها. فجاء القانون الانتخابي السخيف ثم الميثاق الجمهوري ثم الاستفتاء الخ .. وبالموازاة كانوا يخططون لانقلاب عسكري كما أعلن الراجحي عن ذلك في حالة عجزوا عن السيطرة على المسار وخططوا لذلك بدقة وكان تاريخ 15 جوان موعدا جديا لذلك. لكن شباب الفايسبوك أفشلوه بشكل كامل تعددت المحاولات حتى جاءت القصبة 2 التي حسمت أمر الانقلاب العسكري حسما كاملا واقتنعوا أنه لا سبيل اليه. وتعددت مؤامراتهم بعد ذلك وكثرت ولكن كلها منيت بالفشل إما بفضحها قبل البدء فيها أو بتفطن الناس لها أو لضعفها.
ومع اقتراب موعد الانتخابات بدأ بعض رجال الأعمال يتبينون الفشل الذريع الذي مني به تحالف كمال لطيف ونجيب الشابي واحتراق نجيب الشابي جماهريا وسياسيا بشكل شبه كامل ورغم حرص نجيب الشابي على شراء الاحصاءات وسبر الآراء لكي يظهر أنه لازال يحظى ببعض الشعبية الا أن رجال الأعمال المتورطين معه والذين أنفقوا الكثير من أموالهم واعصابهم بدؤوا يقتنعون تدريجيا أن خوفهم من النهضة والاسلاميين عموما لا شيء يبرره وانها ليست الغول الذي وصفه لهم كمال لطيف وان نجيب الشابي رجل فاشل بأتم معنى الكلمة. وبدأ خوفهم من النهضة ينقلب سخطا على كمال لطيف ونجيب الشابي وبدؤوا خلال وبعد شهر رمضان بالاتصال بحركة النهضة والبحث عن موقع معها وبدؤا بالانضمام للجمعية الاقتصادية التي احدثها الاسلاميون وتخلوا عن كمال لطيف ومشروعه الفاشل. وتدريجيا لم يبق مع نجيب الشابي إلا القليل الغير مستعدين للتورط أكثر معه ماليا والذين يشعرون أنهم خسروا ما فيه الكفاية في تجارة خاسرة ومشروع فاشل. واضطر نجيب الشابي الذي كان يستعين ايضا بالخارج عبر حساب ماهر حنين عضو المكتب التنفيذي الذي يتسلم عبر حسابه البنكي التحويلات من الخارج لكي ينقلها فيما بعد لحساب البي دي بي في تونس. اضطر بعيد رمضان أن يسحب قرابة 200 ألف دينار في السالب من حساب الحزب تمت تغطيتها فيما بعد بتحويل من فرنسا عبر حساب ماهر حنين كالعادة. وهذا دليل تخلي رجال الأعمال في تونس عليه وتوجههم لحركة النهضة مما دعاه لطلب اجتماع موسع معهم رفقة كمال لطيف الذي تضاعف خوفه وتوتره لما آلت اليه الأوضاع. وكان الاجتماع الأخير الذي عقده وسيعقده معهم وتم ذلك في مطعم النافورة في القنطاوي وقد حاول فيه كمال لطيف ونجيب الشابي ورجالهما اقناع الجميع بضرورة مواصلة الدعم وأن النصر في الانتخابات قادم لامحالة أنهم وان لم يحصلوا على الأغلبية فهم الثاني في الترتيب وأنهم شركاء في السلطة. فقيل لنجيب الشابي يومها أنه لن يكون له نصيب من السلطة لأن الحركة بدات بالفعل مشاوراتها لتكوين حكومة وبناء تحالفات من الآن وأنها ستكون حكومة وحدة وطنية تتسلم مهامها من أول يوم بعد الانتخابات مما يفشل أيضا مخططهم الرامي لافشال أي محاولة لتكوين حكومة حتى يبقى السبسي أكبر قدر ممكن في السلطة. وكان اجتماع القنطاوي فاشلا على كل الأصعدة بالنسبة لنجيب الشابي وكمال لطيف فأغلب رجال الأعمال لم يقتنعوا بكلامهم ولم يستجيبوا لمحاولاتهم ولقد ترجاهم نجيب الشابي كثيرا لكن بدون فائدة. وبدا واضحا لنجيب الشابي أن الدعم الداخلي سيتراجع كثيرا فلم يبق معه الا ثلة قليلة من المقربين من كمال لطيف والدعم الفرنسي ليس كبيرا وأن ايام الحزب الذهبية ستنتهي مباشرة بعد صدور نتائج الانتخابات.
فلم يكن لدى نجيب الشابي إلا الأمل الأخير الذي بقي له وهو التعلق بأذيال النهضة لعل ذلك ينقذه من الغرق السياسي فبدا منذ بداية أكتوبر اتصالات كثيفة بقياديين في النهضة امثال زياد الدولاتلي وعبد الكريم الهاروني وغيرهم لفتح الحوار مع النهضة ومقابلة الشيخ راشد والمشاركة في مشاورات تكوين الحكومة. لكن حجم الأدران السياسية والنجاسة التي يحملها نجيب الشابي حالت دون ذلك ورفضت قيادة النهضة التواصل معه حتى تاريخ كتابة هذه السطور.
وسيكون من المخزي جدا للنهضة أن تشرك حزبا مثل حزب نجيب الشابي معها في حكومة وحدة وطنية وقد أثبت خلال العشرة شهور من الثورة أنه بعيد كل البعد عن الوطنية وقد مرغت سمعته بالأوحال لشدة ما عارض الثورة وساند الثورة المضادة. وأنه تحالف مع عدوها اللدود الرجل الوحيد الذي يجب أن يحاكم على كل ما اقترفه النظام ضد الاسلاميين في تونس. طيلة 23 سنة.
نجيب الشابي تخلى عنه مناضلوه ثم أنصاره ثم تخلى عنه التجمعيين أنفسهم عندما فهموا أنه ساقط لامحالة والآن تخلى عنه رجال الأعمال ولم يبق معه الا أباطرة العداء للدين ورؤوس الفتن في تونس وركائز النظام القمعي. وسيكون مصير نجيب الشابي مشابها بدرجة كبيرة للمصير المرتقب لكمال لطيف الذي يتوعده به سرا الكثير من رجال الأعمال الذين ورطهم معه في معركة خاسرة وجعلهم يخسرون الكثير من أموالهم دون طائل.
وبعد عشرة أيام يسدل الستار عن الفصل الأول من الثورة التونسية ويرفع الستار عن الفصل الثاني الذي سيكون مثيرا حتما لكن ليس بمستوى اثارة الفصل الأول. وستتخذ الأحداث مسارا آخر مختلف تماما وسيتغير أطراف النزاع وستشهد الساحة التونسية تيارات جديدة وتحالفات جديدة وغرائب ومفاجآت كثيرة أيضا.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire