samedi 29 octobre 2011

في صف الإقتراع وجدت نور الحرية و الكرامة


محمد شفيق ڨحبيش 
ارتديت احسن ما عندي من ثياب مثلما افعل صباح كل  يوم عيد،و اتجهت لمكتب الاقتراع لأول مرة في عمري و غمرة الاعتزاز تهز كياني هزا عميقا .
اتجهت و أنا عاقد العزم لأصبغ إصبعي بعد أن أغمسه في المحبرة العجيبة رمز الحرية هذا اليوم .
طيلة وقوفي في الصف كنت أنظر إلى الوجوه النيرة التي ملأت ساحة المدرسة, رجالا ونساء, شيبا و شبابا, و هم ينتظرون دورهم بكل هدوء, يتقدمون الواحد تلوى الآخر نحو القاعة بكل سكينة ووقار, في صمت غير متناسب مع الجمع الغفير الموجود في ذلك المكان .. فقلت في نفسي : سبحان الله مغير الأحوال و مسبب الأسباب . كان الذي يطالب بإنجاز الذي نعيشه الآونة : انتخابات حرة , يسجنونه و يبغضونه و يعذبونه أو حتى يقتلونه ...
  فاستحضرت فجأة صراخ الموحدين الأبرياء في دهاليز وزارة الداخلية  وهم تحت التعذيب ...
 كنت أسمع صراخهم و أنين صدورهم الطاهرة المفعمة بالإيمان, و زبانية بن علي يسومونهم أشد أنواع التعذيب . كنت أشم رائحة ذلك السجن الرهيب التي تختلط فيه رائحة البول و الغائط و العرق و الدماء مع رائحة سجائر الجلادين...
كنت أسمع إلى الأصوات الصاخبة, السابة,  المذلة , والى  الوعد والوعيد , و قبح الكلام التي كانت تقذفه أفواه تلك الأفاعي الكافرة , المرتدة عن دين الله, في و جوه هؤلاء المواطنين الأحرار، الذين لا ذنب لهم إلا أن قالوا ربنا الله .. نريد أن نُحكم بشرع الله ...
زاد صف المنتخبين بعض الخطوات نحو قاعة الاقتراع , و أرى خروج سيدات محجبات من القاعة , يغمر وجوههن نور العزة و الكرامة و الغلبة على الطغيان .
لقد كنت أضن أن نور الله لا ينزل إلا على العريس ليلة زفافها ,و على الأم بعد الولادة ,و على التلميذ يوم دخوله المدرسة ,و على طالب العلم يوم عودته إلى أهله , و على المجاهد بعد عودته لقومه , و  على الصائم صباح يوم عيده , و على الحاج بعد عودته لبيته ... كنت أضن هذا , و لكن لم أعلم أن نور الله ينزل أيضا على المواطن الحر الذي يخرج من قاعة الاقتراع  بعد صبغ إصبعه ... 
نظرت إلى السيدة المحجبة المنورة بنور الله، المغمورة بفرحة الحرية , بعد أداء واجبها الانتخابي , فاستحضرت أمهات و أزواج و بنات السجناء السياسيين الذين أذاقهما بورقيبة و بن علي و وزرائهما و زبانيتهما  أشد أنواع الظلم و التعذيب و القهر و التنكيل ... كم من طفل حرم من حنان أبيه ؟ أو من حنان أمه ؟ أو من الأبوين الاثنين معا في بعض الأحيان ؟
كم من زوجة حرمت من وقوف  زوجها معها لتربية و تعليم أبنائها ؟ كم كانت سنين السجن طويلة و مضنية عليها وعلى أولادها و بناتها؟
 كم من عائلة حطمت بعد أن جوّعت ؟ كم من دموع أذرفت في ظلام الليل  ؟ كم من شهور و أعوام ومواسم وأعياد مضت على هذه العائلات التونسية المؤمنة المنكوبة الجائعة...أيام و ليال ... لا يعلمها  و لا يقييم أحزانها إلا الله سبحانه  ... صفحات من تاريخ تونس الأسود, صبغت و طبعت إلى الأبد بالظلم و جور السلطان ...
 في حين كانت ليلى و أخواتها و من لف لفها من الجرذان ينفقون  كنوز تونس, في المخدرات و المسكرات  والخمور والقصور   ...
تقدم الصف خطوة أخرى ، خطوة لم تخرجني مما أنا فيه من غيبوبة ماضينا المرير , فاستحضرت معانات  التلميذات و الطالبات اللواتي غطين شعرهن و أبين أن يبدين زينتهن لعموم الناس, و تذكرت ظلام أيام تونس الحالك , حين تمنع التلمذة للدخول إلى القسم للدراسة إلا بعد أن تغادر المعهد, و تزيل غطاء شعرها, و ترفع من طول فستانها , لتعود بعد ذلك إلى الدرس، دامعة العين، مقهورة الفؤاد، منكسرة الضمير...
أو إلى الطالبات اللاتي منعن من اجتياز المناظرات أو الدخول إلى سوق الشغل لا لشيء إلا أنهن أطعن الله رب العالمين و التزمن بلبس الحجاب. في حين ماانفكت وسائل الإعلام تؤذي  آذاننا و تنغص صفو مزاجنا, صباحا مساء, بما تقوم به السيدة الفاضلة الموهوبة... لا بل  المكبوبة..  لدعم حرية المرأة و تجسيم مكاسبها ، و سرد ما قامت به في الماضي البعيد وبما سوف تقوم به في المستقبل القريب في شأن المرأة العربية . و ترى الجميع يصرخ ملئ حنجرته في اجتماعات زائفة ملفقة : بالروح بالدم نفديك يا لي لي...تبين لنا اليوم أن الجميع كانوا شلايكية تونس , لا غير , أتباع اللايكية و أعداء الدين و الملة ..
هذا هو تاريخ بن علي و أصهاره الطرابلسية , تاريخ البنادر و البخور  وبرامج كرة القدم التي ملأت الفضاء الإعلامي كله , من نقل المباريات و التحليلات الصباحية و المسائية و الليلية في جميع وسائل الإعلام المسموعة و المقروءة و المرئية .
عصر دمرت فيه التربية و التعليم و كل  ما في المدرسة من فضائل ... بتحويرات و تنقيحات  للبرامج التعليمية بصفة نظامية , سنوية, هدفها الهرج و المرج و نزع الهوية العربية الإسلامية من العقول و الضمائر,  باسم العولمة والحداثة و التنوير ...و تكوين جيل مذبذب لا يفقه لغته و لا يعتز بهويته . حاملا لشهادات عليا و ما هي في العلاء في شي ء.. لا  يستطيع  حامليها تحرير جملة واحدة باللغة العربية و لا الفرنسية , إلا أنك تراه يتكلم و يكتب بلغة هجينة دارجة مزرية  هابطة .
أصبح الكلام و الكتابة باللغة العربية عورة في بعض الأوساط العلمية و المنتديات الثقافية  , و التحدث في ما جاء به الله و الرسول و العلماء تحريض على التعصب و الإرهاب ...لا بل هو أكثر من ذلك ...هو خوض في تيارات سلفية و رجعية و تكفيرية .
  
مستوى مدارسنا قبل حكم بن علي ,  كان بالأمس القريب من أعلى مستويات البلدان المتحضرة , و شهادة البكالوريا معترف بها في جميع بلدان العالم .هيبة المعلم و الأستاذ مصانة ، و تقارير و أوامر الإدارة مطاعة ، و الجميع يسعى لنشر الفضيلة و نبذ الرذيلة، و تعليم التلميذ و الطالب  الطاعة و الانضباط ،و الحشمة والنظافة و حسن الاخلاق. لا دروس خصوصية , و لا رؤوس بالجال مطلية و لا بنات مراهقات كاسيات عاريات مدخنات في أحضان شبان مخنثين ضائعين أمام المعاهد و الجامعات ...
بينما أنا هكذا مع أفكاري أناجيها و تناجيني و إذا بي أجد نفسي قد وصلت إلى باب القاعة و هي قسم مدرسة ابتدائية فاستنشقت فجأة رائحة طيبة ذكية . رائحة القسم الممزوجة بعطر الطباشير و قلم الرصاص , فزادت ازدحام أفكاري طغيانا في رأسي , وتسلست أحداث الثورة التونسية المباركة بسرعة فائقة استعصى عليا ترتيبها . أحداث سيدي بوزيد و سقوط شهداء تالة والقصرين و خروج الجماهير إلى الشوارع , و هروب بن علي السفاح الجبان, و تجلجلت في رأسي الشعارات التي رفعت :
"خبز و ماء و بن علي لا " , "العمل باستحقاق يا عصابة السراق" , "يا ليلى يا حجامة رجع رجع فلوس اليتامى" ...
بعد "ثورة الكرامة" المباركة بأيام قلائل , جاء دور اندلاع "ثورة الفساد" المعادية التي دارت رحاها على منابر القنوات الفضائية نسمة الفساد و جهلبعل و البنفسجية ,
-       ألفة يوسف التي تعلن شذوذها...
-        و الطالبي المفكر و الفيلسوف القدير  الطاعن في السنة النبوية العطرة والمحط من قيمة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم و أزواجه الطاهرات أمّهات المؤمنين ,
-        و نادية الفاني التي أعلنت كفرها بالله على المباشر و تدعم ذلك بفلم تعرضه في  إحدى قاعات العاصمة ,
-         و يوسف صديق, الفيلسوف الشيخ الرمضاني لقناة نسمة الذي اختار ليلة السابع و العشرين من رمضان المعظم لينفي قدسية القرآن الكريم و يعلمنا أن ليس هناك فرق بين محمد صلى الله عليه وسلم و سيدنا عيسى عليه السلام ....و شكسبير ؟...
-        و الكلاني رئيس حزب من أحزاب الكفر و الفساد الذي حز في نفسه أن تكون تونس بلد عربي مسلم ...
-       و المخرجين المسرحيين و السنيمائيين الذين يريدون تجسيم الفساد الأخلاقي في تحطيم العائلة المسلمة بتقديم المرأة التونسية كامرأة فاسدة, عاهرة, مائعة, متمتعة شائخة بحريتها الشخصية  و إدخال هذا المبدأ البغيض في بيوت المسلمين ...
-        و صحافيين القنوات الإذاعية والتلفزية الذين يحاربون الدين في كل البرامج بدون استثناء و من النوادر التي سمعناها : " الدين لله و الوطن للجميع" ."نترك القرآن في البيت و لا يشاركنا أعمالنا" : كلام فارغ أجوف لا معنى له , يشخشخ فيه الريح كما يشخشخ في رؤوس التماثيل...
-        سئل السيد الكريم الذي عيين كرئيس  للجنة تحقيق الثورة من قبل صحفية أجنبية عن دينه, فأجاب بجواب عجيب غريب, ما سمعنا به في آ بائنا الأولين , قال السيد عياض بن عاشور :" ديني الديمقراطية".
-       قالت فيلسوفة أخرى في إحدى الحوارات التلفزية " أن الإسلام يدعوا إلى اللايكية".
-       جمعية النساء الديمقراطيات  يطالبن في مظهرات و تظاهرات عديدة "السواسية بين الرجل و المرأة و إلغاء كل ما جاء به القرآن في الإرث و الأحوال الشخصية التي تخص الأسرة المسلمة "
-       جمعية صور و صوت المرأة التي ترأسها نادية الجمل , و تدعمها السفارة الفرنسية في تونس, تريد نشر أفلام مسيئة للإسلام و للرسول صلى الله عليه و سلم في المدارس و المعاهد التونسية و تعليم تلاميذ المدارس الإباحية الجنسية و الشذوذ الجنسي...ثم كانت الضربة القاضية و القشة التي قسمت ظهر البعير , هو نشر فلم المخرجة الإيرانية المدبلج باللهجة التونسية من قبل هذه الجمعية الماكرة في قناة نسمة الفساد, و التي تتهجم فيه على الذات الإلهية , و كان ذلك مبرمجا مسبقا قبل بضع أيام من موعد الانتخابات .
جيش من المرتدين  يلهثون  لهث الكلاب العطاشى في هجير الصحاري القاحلة ... لا هم لهم ولا هدف  إلا محاربة الإسلام و نشر الرذيلة أينما كانت و كيف ما كانت ...
وجدت نفسي فجأة وجها لوجه مع السيدة المكلفة بالقائمة, فأعطيتها بطاقة التعريف و الاستدعاء, فأمرتني أخيرا بغمس إصبعي في ... في... في...عين ليلى الحجامة؟؟؟
انقلبت محبرة الحرية فجأة إلى عين ليلى, غمست سبابتي اليسرى  لأفقأ العين المباحة , فشعرت ببرودة انتشرت في جسمي انتشار الماء البارد في عروق الصائم الظمآن بعد إفطاره يوم الهجيرة. برودة أخمدت غليان أفكاري وأجيج ذكرياتي .جعلتني أتجه نحو الخلوة المخصصة للاقتراع خفيفا نظيفا , ماعدا طرف إصبعي المصبوغ , الذي بقي هو مطلقا باردا مبلولا..
كنت أنا والقائمة و القلم لا غير . المطلوب وضع علامة , لم أذكر أني سمعت وسائل الإعلام تتحدث عن شكلها ... الغريب في الأمر, أن جميع النخبين  يعلمون و بصفة فطرية أن شكلها لا يكون سوى هكذا X إيكس , علامة الضرب الحسابية ,  لست أدري إن عثر على علامات غيرها أثناء الفرز . علامة الجمع + أو الطرح  – أو المساوات =  مثلا ....
 على كل, كان لا بد من و ضع العلامة الفطرية : القاطع و المقطوع في المربع.
لعل القاطع هو  مخصص لقطع العلمانية و اللايكية و الإلحاد... و المقطوع للظلم و السرقة و الفساد.
خرجت من القاعة و قلبي فارغا مثل فؤاد أم موسى .لست أدري إن استنار وجهي أنا أيضا بنور الحرية  بعد مغادرتي رائحة القسم  الفواحة ...لم أحمل معي مرآة ..ولكني شعرت فجأة براحة و سكينة كالتي تشعر بها المرأة بعد الولادة...مولودي  الجديد اسمه "كرامة" .   

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire