mercredi 25 mars 2015

تونس تودع عالمها المنصف بن سالم الى مثواه الاخير...

إنتقل إلى جوار ربه المغفور له العالم الجليل و المناضل الفذ الدكتور المنصف بن سالم بعد معاناته من مرض مزمن تعرض اليه اثر التعذيب الذي سلط عليه من قبل الدكتاتورية الجاهلة .
   و قد تجمع جمع غفير بتونس العاصمة لتوديعه بمقر حركة النهضة والتي كان المرحوم  من احد مؤسسيها و المناضلين فيها قبل نقل جثمانه الطاهر الى مثواه الاخير في مدينة صفاقس... 
المنصف بن سالم توفيّ اليوم الثلاثاء 24 مارس 2015 عن عمر 62 سنة بعد صراع طويل مع مرض السرطان، وهو قيادي بارز بحركة النهضة ودكتور وعالم في الرياضيّات والفيزياء، متحصّل على عدّة شهادات جامعيّة عليا في عدّة اختصاصات علميّة من تونس وفرنسا. تقلّد منصب وزير التعليم العالي في حكومتي الترويكا بقيادة حمادي الجبالي وعليّ العريّض.

الدكتور المنصف بن سالم أحد كبار الوجوه العلمية التونسية حاصل على دكتوراه دولة في الرياضيات من أكاديمية العلوم بباريس ودكتوراه دولة في الفيزياء ودبلوم في الهندسة الآلية برتبة مشرف جدا وأستاذ مشارك في المركز الدولي للفيزياء النظرية وعضو الوكالة الدولية للطاقة الذرية ومقرر بالمركزية الدولية للرياضيات ببرلين وعضو إتحاد الجامعات الناطقة كليا أو جزئيا باللغة الفرنسية وعضو المركز القومي للبحث العلمي في فرنسا وعضو إتحاد الفيزيائيين والرياضيين العرب ونائب رئيس مؤتمره الرابع وعضو اللجنة الوطنية للبحوث العلمية في تونس وأستاذ الرياضيات والفيزياء بكلية العلوم والهندسة بمدينة صفاقس ومعهد الرسكلة والتكوين المستمر بتونس.
هذا العالم الجليل والعقل الفذ الذي خدم بلاده بكل جهده وطاقته عاش أياما عسيرة في تونس أيام القمع و الاستبداد..
فبعد إيقافه يوم 16 نوفمبر 1987 لمدة تتجاوز سنة ونصف بعد ترؤسه لمجموعة الإنقاذ الوطني التي همت بإنقاذ البلاد من شيخوخة بورقيبة بعد تسعة أشهر من المواجهة بين الدولة وشعبها وتهديد العجوز بإصدار ثلاثين حكما بالإعدام ضد قيادات الحركة الإسلامية. ثم بعد قضائه لثلاث سنوات سجنا إثر إجرائه لحديث صحفي مع مراسل جريدة المنقذ الجزائرية الناطقة بإسم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في سنة 1990 .
ومنذ خروجه من السجن ا نهاية عام 1993 عاش الدكتور بن سالم في ظروف صحية ومعيشية قاسية كان خاضعا لما يسمى في وزارة الداخلية التونسية ( الإقامة الجبرية ) في منزله بدون أي حكم قضائي.. وكانت ثلاثة فرق من البوليس تتناوب على حراسة المنزل لمدة 24 ساعة وذلك حتى نهاية العام 2001 ، إلى الحد الذي تم منعه من المشاركة في تشييع جثمان والدته، وتم قطع هاتفه المنزلي لمدة أربع سنوات، أي أنه كان في عزلة تامة عما يدور خارج منزله المحاصر ،و ممنوع من العمل منذ نوفمبر عام 1987 حتى اندلاع الثورة و هروب الطاغية بن علي...،
 وعان من أمراض عديدة وحرم من أي مصدر للرزق ، ولمزيد من تعذيبه تقوم السلطات التونسية بمصادرة أية تبرعات أو مساعدات مالية تصله من الأصدقاء أو الجمعيات العلمية التي كان مساهما وفاعلا فيها وهذا أدى إلى تردي صحته بشكل ملحوظ، كما تم منعه وأبنه أسامة وابنته مريم من الحصول على جوازات سفر. وفي جانفي 1995 بينما كان في السوق الشعبي بصفاقس مع زوجته وابنه عباس ( 11 عاما آنذاك ) ، اقتحمت عليهم المكان شاحنة خفيفة مما أصاب زوجته وابنه بإعاقات دائمة، ثم ثبت أن السائق كان رجلا تجاوز الستين من عمره ولا يحمل رخصة قيادة سيارة، مما فتح باب التكهنات أنها كانت محاولة اغتيال من السلطات ، خاصة بعد الإهمال في العلاج وإضاعة ملفاتهم الطبية أكثر من مرة. وفي أبريل من عام 2006 أصدر مجلس التأديب بجامعة صفاقس قرارا بطرد خمسة طلاب بسبب مشاركتهم في مظاهرة (فيفري 2006 ) احتجاجا على الرسوم الكاريكاتورية المسيئة للرسول الكريم، وكان من بين الطلاب الخمسة ابنه ( أسامة ) وذلك قبل شهرين من تخرجهم من قسم الرياضيات بالجامعة، ولا يمكن تفسير طرد نجله من الجامعة إلا أنه عقوبة جديدة له، فالملايين في كل العالم تظاهروا ضد تلك الرسوم دون أن تلحق بهم أية عقوبة، فلماذا الطالب ( أسامة منصف بن سالم ) وأصدقاؤه الأربعة؟.

في سنة 1989 أجرى صحفي من مجلة حقائق التونسية حوارا مع الدكتور بن سالم وسأله عن الأسباب التي دفعته للإهتمام بالشؤون السياسية برغم كثرة مسؤولياته العلمية فأجاب الدكتور بأنه ظل يخدم بلده طويلا في مجال البحث العلمي غير أنه وجد جهده يضيع هدرا وهباء منثورا كمن يسكب ماء في صحراء عطشى بسبب الإختيارات السياسية الرعناء للدولة فقرر الدخول في معترك الحياة السياسية ومنذ ذلك التاريخ تعرض الدكتور بن سالم لأشد أنواع القهر والتعذيب والتجويع والحرمان من العمل عقابا له على إهتمامه بالشأن السياسي لبلاده . ويلخص الدكتور إبن سالم بإيجاز بليغ وصفه الحالي بقوله : " ما يجري معي أمر يتجاوز الخيال وهو فوق القدرة على الفهم والتفسير .. إنهم ببساطة يحكمون علي بالموت ". لقد سعى النظام البوليسي لبن علي إلى تحطيم هذا الجبل الأشم بارادة تركيعه وإذلاله وتجويعه حتى يرضخ للظلم والجهل والظلام . لقد حاربوا الذكاء وقتلوا المواهب وخنقونها في جنح ليل الدكتاتورية الحالك الذي يخيم على تونس.
من يصدق أن هذه الكفاءة العلمية النادرة هكذا تعامل في وطنها تونس الخضراء ( سابقا )؟ هذا العنف والقمع مرفوض إن تعرض له مواطن عادي فما بالك هذا العالم الذي أضاع الطغاة والمستبدين جهوده العلمية طوال العشرين عاما الماضية، ولا أحد يعرف متى سيفيق أولئك الطغاة ليعرفوا أن الأوطان ليست مزارع خاصة لهم ولعائلاتهم، وأن هذه الطاقات البشرية الفذة النادرة لو كانت في أوطان ديمقراطية لوضعت في المركز والمكانة التي تليق بهم كي يضعوا علمهم وخبرتهم من أجل تقدم أوطانهم، بدليل أن ممن وجهوا نداءات للمسؤولين التونسيين للإفراج عنه:
·       عالم الرياضيات الفرنسي لوران شوارتز،
·       والعالم الفيزيائي الباكستاني محمد عبد السلام الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء النووية،
·       وأكاديمية العلوم بباريس
·       واللجنة الكندية للعلماء والعلميين
·       وأكاديمية العلوم الأمريكية
·       ومنظمة اليونسكو
·       والعديد من الجامعات الألمانية والفرنسية
 لكن الطغاة والمستبدين في تونس لا يسمعون ولا يقرءون ، فهذا العالم الفيزيائي كان خطرا على أمنهم كما يتصورون، متناسين أنهم وأمثالهم هم الخطر الماضي والحاضر والمستقبلي على أوطاننا، فبسبب جهلهم وفسادهم وقمعهم هكذا طاقات علمية تسير أوطاننا في طريق التخلف والاعتماد على الغير.
 إنهم حاربوا رجلا أعزل ذنبه أنه قال بصوته العالي: ربي الله .

 رحمك الله عالم تونس الدكتور المنصف بن سالم رجل باع الغالي والرخيص وترك المناصب لبذر العلم والنور في روابي الجهل والظلام. رحمك الله يا سيدي و نحن نودع جثمانك الطاهر و العين دامعة و القلب يخفق لك بالدعاء و طلب المغفرة و الرحمة و إنا لله وإنا إليه راجعون....

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire