mardi 14 juin 2011

جامعة الزيتونة ضحية من ضحايا العهد البائد




بقلم الدكتور جلال الدين العلوش
 كثيرا ما سمعنا أن جامعة الزيتونة بتونس هي أحد منجزات العهد السابق وأن إنشاءها كان في إطار رد الاعتبار للدين الإسلامي إلا أن العارفين بالأوضاع وأصحاب الدار يدركون بما لا يحتمل الشك أن ذلك لم يكن إلا في إطار سياسة تجفيف المنابع التي اتبعها النظام البائد
بالتنسيق مع بعض القوى التي تُكنّ العداء الدفين والحقد المكين للزيتونة ولفكرها ولأهلها، وبالاستعانة أيضا ببعض الأشخاص اللاهثين وراء المصالح الخاصة الذين يمكن شراء ذممهم بأرخص الأسعار.
وقد يظن البعض أن هذا الكلام هو من باب المبالغة واتهام الغير جزافا، إلا أن الاطلاع البسيط على الأوضاع في هذه الجامعة يبين حقيقة الأمر.
وسأكتفي في هذه الأسطر بمجرد الكشف عن الحالة التي وصلت إليها جامعة الزيتونة في آخر العهد البائد ولا زالت تعاني من تبعاتها إلى اليوم.
تتكون جامعة الزيتونة من مؤسسات ثلاث هي المعهد العالي لأصول الدين، والمعهد العالي للحضارة الإسلامية، ومركز الدراسات الإسلامية بالقيروان.
ومن خلال هذه الأسطر أتناول بالحديث واقع المعهد العالي للحضارة الإسلامية التابع لجامعة الزيتونة.
هو معهد ككل المعاهد العليا يُفترض أن يوجه إليه الطلبة الحائزون على شهادة الباكالوريا أو ما يعادلها ، ليتابعوا فيه دراستهم الجامعية في اختصاص العلوم الإسلامية، خصوصا وأنه يدرس به أساتذة جامعيون، ويعمل به إداريون وعملة.
إلا أن ما يميز هذا المعهد عن غيره من المعاهد العليا أنه مخصص للطلبة الأجانب فقط، فلا يقبل فيه الطلبة التونسيون، ويعتبر هذا من الإنجازات التي انفرد بها النظام التونسي ولا يوجد لها مثيل لا في الدول المتقدمة ولا في النامية ولا في غيرها.
وقد طالب الأساتذة المنتمون إلى هذه المؤسسة كتابيا وشفويا أكثر من مرة بتصحيح هذا الوضع إلا أنهم لم يجدوا آذانا صاغية.
ومما يجعل هذا المعهد أكثر تميزا عن غيره من المعاهد بتونس وبالعالم أجمع، أن العدد الجملي لطلبته لا يتجاوز بضع العشرات، موزعين على المسويات الجامعية الثلاث، والاختصاصات العلمية الثلاث أيضا.
فمن العادي جدا في هذا المعهد أن يدخل المدرس الذي هو في مرتبة أستاذ تعليم عال قاعة المحاضرات ليدرس قسما جملة طلبته واحد أو اثنان، لا لأن الطلبة الآخرين غائبون، بل لأن ذلك العدد هو المكوّن لذلك القسم.
واحتج الأساتذة أكثر من مرة، وبالطرق المختلفة، وطالبوا الوزارة بفتح المجال أمام الطلبة التونسيين للانتماء إلى هذا المعهد، ولكنهم لم يجدوا جوابا غير الصمت الذي يعبر عن الرفض المطبق.
ومن ميزات هذا المعهد أيضا  أنه لم يسمح له بفتح قسم للدراسات العليا رغم توفر المسائل المادية والعلمية فيه، فأغلب أساتذته من صنف « أ « أي في درجة أستاذ تعليم عال وفي درجة أستاذ محاضر، وهم خارج المعهد يقومون بتدريس طلبة المرحلة الثالثة ويؤطرون طلبة الماجستير والدكتورا ويناقشون الأطاريح، ويترأسون اللجان العلمية، وأغلبهم أعضاء في اللجان الوطنية  للانتداب والترقية.
ومن المعهود والمنطقي جدا أن تسند إدارات الكليات والمعاهد إلى الأساتذة المتخصصين في العلوم المدرَّسة في تلك المؤسسات، ذلك لأنهم عادة أدرى بشؤونها وأقدر على فهم متطلباتها وأكثر اطلاعا على ما يتعلق بتلك الاختصاصات.
وهنا تبرز الميزة الأخرى لهذا المعهد الذي يدرس العلوم الإسلامية، فإنه منذ عدة سنوات لم يعين للإشراف عليه أحد من أصحاب الاختصاص في العلوم الإسلامية.
ولا أقصد بكلامي هذا القدح والتجريح في الإدارة الحالية والسابقة للمعهد، فهي  رغم عدم انتمائها للاختصاص المحدد  من الإدارات النادرة التي تعامل معها كل من الأساتذة والطلبة والإداريين والعملة بكل أريحية وتناغم وهي علاقة يحسدهم عليها زملاؤهم في المؤسسات الأخرى.
هذه لمحة مختصرة عن هذه المؤسسة الجامعية نقدمها للرأي العام وللمسؤولين إن كانوا يجهلونها.
ويبقى السؤال مطروحا بإلحاح على سلطة الإشراف، إلى متى يقبل أصحاب القرار فيها بالإبقاء على هذه الوضعية التي أقل ما يقال فيها أنها إهدار للأموال الوطنية والطاقات العلمية، رغم أن الحل سهل وبسيط ومربح على كل المستويات، وقد طالب به أساتذة المعهد في أكثر من مناسبة، وهو يتلخص في توجيه حملة الباكالوريا التونسيين إلى هذا المعهد بعدد يليق به كمؤسسة جامعية، وبفتح المجال فيه للتدريس بالمرحلة الثالثة في الاختصاص، وهو مؤهل لذلك على جميع المستويات.
*  أستاذ محاضر بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire