نصيحة لأهل الشام
الحمد لله ثم الحمد لله، الحمد لله حمداً يوافي نعمه ويكافئ مزيده، يا ربنا لك الحمد كما ينبغي لجلال وجهك ولعظيم سلطانك. سبحانك اللهم لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وصفيه وخليله. خير نبي أرسله. أرسله الله إلى العالم كلِّهِ بشيراً ونذيراً. اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد صلاةً وسلاماً دائمين متلازمين إلى يوم الدين. وأوصيكم أيها المسلمون ونفسي المذنبة بتقوى الله تعالى. أما بعد فيا عباد الله:
تعالوا بنا مرة أخرى نصغي السمع إلى حديث رسول الله r عن مستقبل الشام وأهله والأحداث التي سيمر بها. ولن نجد عزاءً عندما تمر بنا النكبات أو تطوف بنا المحن، لن نجد عزاءً أمامها خيراً من الإصغاء إلى هذا الكلام العجيب الذي ذكره رسول الله r عن الشام ومستقبله، تعالوا نصغي السمع إلى طائفة يسيرة من هذه الأحاديث.
يروي أبو داود وابن حبان والحاكم بأسانيد صحيحة من حديث عبد الله بن حوالة والعرباض رضي الله عنه أن رسول الله r قال: (إنها ستصير إلى أن تكونوا أجناداً مجندة؛ جندٌ باليمن وجندٌ بالشام وجندٌ بالعراق، قال عبد الله بن حوالة اختر لي يا رسول الله إن أدركت ذلك، أي أين تحب أن أكون، قال: عليك بالشام إنها خيرة الله من أرضه يجتبي إليها خيرته من عباده وإن الله تكفَّلَ لي بالشام وأهله).
روى الحاكم في مستدركه والطبراني من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص أنه r قال: (إن رأيت كأن عمود الكتاب استُلِبَ من تحت وسادتي فأتبعته بصري فإذا هو نور ساطع عُهِدَ به إلى الشام، ألا إن الأمن والأمان عندما تقع الفتن في الشام).
روى الترمذي وابن حبان والطبراني من حديث زيد بن ثابت أن رسول الله r قال: (طوبى للشام، إن ملائكة الرحمة تبسط أجنحتها عليه).
روى الحاكم في مستدركه على شرط الشيخين من حديث أبي الدرداء أن رسول الله r قال: (فسطاط المسلمين يوم الملحمة الكبرى في أرض يقال لها الغوطة، فيها مدينة يقال لها دمشق هي خير منازل المسلمين يومئذٍ).
روى الإمام أحمد في مسنده والطبراني من حديث علي رضي الله عنه وعوفٍ بن مالك أن رسول الله r قال: (الأبدال في الشام وهم أربعون رجلاً كلما مات منهم رجل أبدل الله به رجلاً آخر، بهم تُسْقَوْن وبهم تُنْصَرُون وبهم يُرَدُّ عنكم العذاب).
هذه يا عباد الله طائفة من الأحاديث الصحيحة التي يتحدث فيها رسول الله r عن الشام وأهله، وقد علمنا جميعاً أن محمداً رسولٌ من عند الله عز وجل لم يفتئت على الله وحياً ولم يكذب على الله فيما نقل عنه كلاماً، وها أنتم ترون أن دلائل نبوته وصدقه تتزايد بل تغزو عقول العالم الغربي أجمع، إذاً فهو الصادق المصدوق فيما قال. فإذا علمنا ذلك فدعوني أولاً أتوجه إلى أهل الشام وأبشرهم بهذه الشهادة التي شهد لهم بها رسول الله r، وصدق رسول الله فيما شهد وصدق رسول الله r فيما أخبر، لكم البشرى يا أهل الشام إذ اجتباكم الله عز وجل للسكنى فوق أرضه المباركة. وأنا أعلم أن فينا من يقول: ولكن أين أنا من هذا الاجتباء، وأنا الإنسان المقصر في جنب الله، كم ارتكبت وكم جنحت وكم تُهْتُ عن الطريق. لا يا عباد الله، الأمر أهون من ذلك. إذا اجتبى الله عز وجل العبد ذابت سيئاته في ضرام اجتباء الله سبحانه وتعالى له، الأمر يحتاج فقط إلى أن نستبشر بهذا الذي قاله رسول الله وأن ننهض فنكون على مستوى هذا الشرف وأن ننهض فنكون على مستوى هذه البشارة.
عباد الله: إنكم تعلمون أن من سنن الله عز وجل في كونه أنه إذا أراد شيئاً قَيَّضَ له أسبابه، تلك هي عادة رب العالمين، والله لا يحتاج إلى أن يُوَسِّطَ أسبابه لما يشاء ولكنه القانون الذي ألزم به ذاته العلية في هذه الدنيا التي نعيشها، وقد علمتم مما أخبر به رسول الله r أن الشام ستبقى دار إيمان وأمن إلى قيام الساعة، هكذا شاء الله عز وجل. فما السبب وما الوسيلة التي شاء الله سبحانه وتعالى أن تكون أداةً لهذا القرار الذي أنبأ به رسول الله r؟ ما هي العين التي تستر الأمن والإيمان فوق هذه الأرض المباركة؟
يا عباد الله، يا أهل الشام: إن هذه العين هي أنتم، إن هذه العين التي شرفها الله عز وجل بهذه الرسالة – رسالة السهر على أمن هذه الأرض وعلى إيمان هذه الأرض – العين التي قَيَّضَ الله عز وجل منها حارساً أميناً هي أنتم يا عباد الله، فاهنؤوا واستبشروا مرة أخرى بهذه الرسالة التي شرفكم الله سبحانه وتعالى بها. كونوا أينما كنتم أعيناً ساهرة على الأمن الذي قضى به الله سبحانه وتعالى سبحانه وتعالى لهذه الأرض المباركة. لا تَنُوا ولا تتناسوا رسالتكم القدسية هذه، واعلموا أن ترجمة الاجتباء الذي أعْلَنَ رسول r من خلال أحاديثه الكثيرة لكم، ترجمة ذلك تكمن في نهوضكم بهذه الرسالة، تكمن في نهوضكم بهذه الرسالة يا عباد الله.
أما أولئك الذين يصرون من بعيد أو من قريب على أن ينفخوا في نيران الفتنة فوق هذه الأرض المباركة، أما هؤلاء الذين يصرون على أن يواصلوا سعيهم إلى هذا فأقول لهم: إنهم إنما يتحدون بهذا رسول الله، لا يتحدون غيره، وهيهات هيهات أن يتحدى كائنٌ ما في هذا الكون رسولَ الله المجتَبَى ثم تكون له النصرة على رسول الله، هيهات. لابد أن يبوء من يتحدى رسول الله في قوله: (ألا وإن الشام دار الأمن والأمان عندما تقع الفتن) إن من يتحدى رسول الله في هذا لابد أن يبوء بالخزي ولابد أن يبوء بالهوان، ولكني أقول لهؤلاء الإخوة – بَعُدُوا أو قَرُبُوا – أقول للذين عرفوا رسول الله وآمنوا برسول الله نبياً أقول: لهم أيها الإخوة فيم تحكمون على أنفسكم بالشقاء الأبدي؟! فيم تحكمون على أنفسكم يوم يقوم الناس للحساب وقد حُشِرْتُمْ إلى الله وأنتم تحملون أثقالكم من الموبقات فيم قضيتم على أنفسكم اليوم بأن تقطعوا صلة القربى بينكم وبين رسول الله حتى لا تجدوا من يعينكم على وضع هذه الأثقال عن كواهلكم، ألا تحبون إذا حشرتم مع الناس في اليوم الأعظم، عند الوقوف بين يدي الله، ألا تحبون أن تجدوا في رسول الله شفيعاً لكم؟! ألا تحبون أن تجدوا في رسول الله المحب، الشفوق، الرحيم الودود الذي ما زال يفتأ وهو حيٌّ يدعو لأمته كلها، ألا تحبون أن توضع عنكم الأثقال آنذاك؟! ألا تحبون أن تُحْشَروا وإن بينكم وبين رسول الله خيطاً من الصلة؟! لماذا تقطعون هذا الخيط؟ أيها الإخوة كم أنا شفوق على من يقضي على نفسه بالشقاء. هذه الدنيا أياماً قصيرة
(قُلْ مَتَاعُ الدَّنْيَا قَلِيلٌ) [النساء : 77].
هكذا يقول الله عز وجل، وعما قريب سنتمدد جميعاً على فراش الموت وسيطرق بابنا ملكُ الموت ولسوف نراه بأبصارنا وبصائرنا، ولسوف تحيق الندامة بمن أصر على أن يجنح إلى طريق الباطل . لا أيها الإخوة لا، لا تسلكوا طريقاً تزجون به أنفسكم فيما بعد في ندامة لا خلاص لكم من نيران وقودها، لا يا عباد الله. كلنا عاصون، وكلنا مقصرون، لكننا جميعاً نأمل بشفاعة رسول الله لأننا نحب رسول الله ولأنه يحبنا. اجعلوا من صلة القربى بينكم وبين رسول الله سبباً لمغفرة الله إذا أُبْنَا إليه يوم يقوم الناس لرب العالمين، اجعلوا ثمن ذلك صلةَ القربى بينكم وبين هذه الأمة، اجعلوا سبب ذلك الانتصار والحماية لهذا الذي قرره رسول الله r. كونوا كإخوانكم أعيناً ساهرة على الأمن والسلام والطمأنينة لهذه البلدة ولمن يعيش فوق هذه البلدة. وأعود فأقول لمن اجتباهم الله عز وجل وبشرهم رسول الله بهذا الاجتباء فوق أرض الشام هذه، أقول لهم: إن الرسالة التي خولتكم هذا الاجتباء هي أن تكونوا حراساً لدولة الإسلام فوق هذه الأرض، كونوا حراساً لدولة الإسلام فوق هذه الأرض ألا تكون متطرفة، ألا تكون واقعة في غلوٍّ ذات اليمين أو ذات الشمال، كونوا قائمين على هذا الذي وظفكم الله سبحانه وتعالى به، وغداً سيرى القاصي والداني كيف أن هذه الدولة الإسلامية المسلمة قد لبست من دستورها الجديد ثوباً قشيباً، سيكون أكثر تعبيراً عن عقيدة هذه الأمة ولسوف يكون أكثر ترجمة عن ارتباطها بمولاها وخالقها سبحانه وتعالى، ولسوف تجدون هذا الدستور يعلو ثم يعلو ثم يعلو إلى أن يصل إلى ذروة ذل العبودية لله وحده، لله وحده لا لأي كائن أياً كان في حياة هذه الأمة يميناً أو شمالاً، جنوباً أو شرقاً يا عباد الله. هذه وصيتي لنفسي، وهذه وصيتي لكل أخٍ مؤمن، وموعدنا في معرفة جدوى هذه الوصية وفي جدوى هذه القيمة، موعدنا يوم يقوم الناس لرب العالمين، وإنه ليوم قريب
(إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً * وَنَرَاهُ قَرِيباً) [المعارج : 6-7]
عباد الله: إن ربنا عز وجل يقول:
(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ) [آل عمران : 104].
ويقول:
(وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]
ومن مقتضى هذا الذي يقوله بيان الله عز وجل أن أؤكد لكم أن نهوض هذه الأمة بواجبها الذي ذكرت وبحراسة دولة الإسلام فوق هذه الأرض وبرعايتها لهذه الدولة أن تكون بعيدة عن الإفراط والتفريط، بعيدة عن الغلو والتطرف، هذا كله يقتضي أن أقول باسم كل مسلم رعاة ورعية: إن هذه البلدة مفتحة الأبواب لكل من يريد أن يأتي فيتعاون مع أهلها للقيام بما يرضي الله لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، هذه البلدة مفتحة الأبواب لكل غيورٍ على دين الله، يبتغي خدمة دين الله ورعاية دين الله عز وجل لذات الله، لمرضاة الله عز وجل، لا يستخدم دين الله سبحانه وتعالى ركوباً ومطية لغاية، شامنا هذه مفتحة الأبواب لكل من يريد أن يأتي فيمد يد العون، تستقبله الشام بكل ترحاب، تستقبله الشام بكل شكر، بل الشاكر هو الله والمؤجر هو الله سبحانه وتعالى. أما من أراد أن يمزج الحق بالباطل وأن يجعل من الباطل قائداً للحق إلى ما يريد فالشأن فيه عائدٌ إلى ما اختاره، ونسأل الله سبحانه وتعالى لنا ولإخواننا جميعاً الهداية قبل فوات الأوان.
أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم فاستغفروه يغفر لكم فيا فوز المستغفرين ويا نجاة التائبين.
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire