بورقيبة ومن ثم بن علي كانا تلميذين نجيبين لفرنسا، سواء في انقلاب الأول على ،الحزب الحر الدستوري، الذي ما لبث أن حذف من اسمه كلمة ( الحر ) لأنه يعادي الحرية، واستبدلها بكلمة " الاشتراكي" . أو ربط بن علي مصيره بأوامر فرنسا ورضاها. لقد كانت فرنسا حريصة على التعامل مع بورقيبة حامل ثقافتها، مفضلة إياه على أنصارالهوية الإسلامية، بحثا عن منفذ لجعل تونس والمغرب الإسلامي نصرانيا، بتجفيف منابع التدين الإسلامي. وهذه السياسة الفرنسية، لم تتبدل ولم تتغير في عهدي بورقيبة وبن علي، وحتى اليوم .
بورقيبة وبشهادات فرنسيين عاصروا تلك المرحلة كان حريصا على خدمة فرنسا في تونس، من خلال حرب الهوية الإسلامية، وعدم السعي لقيام صناعة وطنية، وبقيت تونس كغيرها من الدول التي تحكمها طغم عميلة، مجرد أسواق فقط ، بدون انتاج تكنولوجي والكتروني يستحق الذكر.
ما شهدته تونس من حرب ضد الإسلام، في عهدي بورقيبة، وبن علي ، لم تبلغه فترة الاحتلال الفرنسي المباشر لتونس، ( 1881 / 1956 ) فالحرب ضد الزيتونة، وضد صيام رمضان، وضد الحجاب، وضد العلماء ، والتهكم على كل ذلك، حقائق معروفة في عهد بورقيبة ( 1903 /
بعد اعلان نفسه رئيسا مدى الحياة، بدا بورقيبة المعروف بنرجسيته المفرطة إلى حد المرض، ينظر لنفسه أكثر من أي وقت مضر، على أنه إله .
إغلاق جامع الزيتونة
. أعلن بورقيبة الحرب على الإسلام، من خلال إغلاق جامع الزيتونة ، الذي كان منارة اسلامية منذ تأسيسه عام 79 هجرية على يد حسان بن النعمان ، ليس في تونس فحسب، بل في المغرب الاسلامي، والأندلس، بل أن أحد شيوخه تولى مشيخة الأزهر وهو الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله ، وفيه درس ابن خلدون ، وابراهيم الرياحي، وشاعر المسلمين أبو القاسم الشابي، وغيرهم ، رحمهم الله. ولم يكن الامام سحنون، وابن عرفة، وأبي زيد القيرواني بعيدين عنه، فضلا عن المعاصرين علماء آل النيفر، والثعالبي، وبن عاشور، وعبد الرحمن خليف وغيرهم رحمهم الله جميعا .
ترك الحجاب التقليدي
ترك الحجاب التقليدي
. ودعا بورقيبة إلى ترك الحجاب التقليدي، والمعروف في تونس ب" السفساري" وهو غطاء تتلحف به المرأة عند الخروج ويغطي رأسها حتى كعبيها، ولم تكن النساء التونسيات يخرجن بدونه. وتعرض " السفساري" لحملة اعلامية مكثفة تتحدث عن سلبياته، وتزين السفور، وقام بورقيبة بنفسه في مسرحية معدة سلفا بإلقاء" السفساري" من على رأس إمرأة ، وسط تصفيق بعض زبانيته.
وبعد 20 سنة من حكمه، وفي مقابلة مع صحيفة، لومند الفرنسية،الصادرة بتاريخ 21 مارس 1976، قال بورقيبة مفتخرا في رده على سؤال حول انجازاته " أعتز بثلاث قضايا، أغلقت جامع الزيتونة، وحررت المرأة ، وأصدرت قانون الأحوال الشخصية الذي يقطع علاقة الأسرة بالاسلام .
وبعد 20 سنة من حكمه، وفي مقابلة مع صحيفة، لومند الفرنسية،الصادرة بتاريخ 21 مارس 1976، قال بورقيبة مفتخرا في رده على سؤال حول انجازاته " أعتز بثلاث قضايا، أغلقت جامع الزيتونة، وحررت المرأة ، وأصدرت قانون الأحوال الشخصية الذي يقطع علاقة الأسرة بالاسلام .
يمنع استخدام التاريخ الهجري
وفي سنة 1960 م أصدرقانون يمنع استخدام التاريخ الهجري،
تأميم أكثر من 200 مسجد
ولا يعرف الكثيرون أنه في عهد بورقيبة وتحديدا سنة 1961 م تم تأميم أكثر من 200 مسجد، ومن ثم بيعها، لتتحول إلى مساكن ، وحول مسجد في مدينة بنزرت إلى مرقص، وحول مسجد إلى خمارة، وحول مسجد إلى متحف روماني.
العدوان على شعائر الاسلام
وتمادى بورقيبة في العدوان على شعائر الاسلام فأعلن منع الصوم في رمضان، سنة1962 م وعزل المفتي الفاضل بن عاشور الذي عارض النزق البورقيبي. وقام بنفسه باحتساء كوب من الماء في شهر رمضان أمام شاشة التلفزيون، ونظمت حملات لإجبار الموظفين والعمال وقوات الجيش وجميع أطياف الشعب التونسي على الإفطار في رمضان، والكثير من الناس فقدوا وظائفهم جراء ذلك.
تجاوز بورقيبة كل الحدود، فألغى الأوقاف، التي كانت مستقلة عن الدولة وتمول النشاط الديني، والمحاكم الشرعية، وأعلن مرة أخرى أن " في القرآن تناقضات " وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول الخرافات، وقال في ندوة أقيمت في القصر الرئاسي سنة1974 م أنه لا يؤمن بالمعجزات " القرآن الذي تعلمونه للشباب ملئ بالخرافات، أسمعتم أن شخصا ينام 300 سنة ، فكيف تقبلون بقول محمد أن عصا تحولت إلى ثعبان " ويعني قصة موسى الموجودة في جميع الكتب المقدسة
العدوان على شعائر الاسلام
وتمادى بورقيبة في العدوان على شعائر الاسلام فأعلن منع الصوم في رمضان، سنة
تجاوز بورقيبة كل الحدود، فألغى الأوقاف، التي كانت مستقلة عن الدولة وتمول النشاط الديني، والمحاكم الشرعية، وأعلن مرة أخرى أن " في القرآن تناقضات " وأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول الخرافات، وقال في ندوة أقيمت في القصر الرئاسي سنة
أدلة على إلحاد بورقيبة وعدائه للإسلام
Sophie Bessis & Souhayr Belhassen ; Bourguiba – Groupe Jeune Afrique Paris 1988 المصدر
الم يكن بورقيبة ملحدا ؟
و قد أصرّ أحد وزرائه محمد المصمودي فيما حكاه الأخير عن بورقيبة أثناء زيارة للالتقاء بالملك عبد العزيز آل السعود قبل الاستقلال ، فعندما طلب منه االمصمودي معرفة موقفه بشكل حاسم من الذات الإلهية أجاب بورقيبة بمنتهى الأريحية مذكّرا بمقولة الفيلسوف الفرنسي باسكال "إذا كان الله موجودا فهو بالضرورة راض عنّي و ان لم يكن موجودا فانا راض عن نفسي"..
بل وصل به الأمر إلى الاستخفاف بالمشاعر الدينية لعامة المسلمين فيم نقلته عنه "الشهاب" اللبنانية في أحد إعدادها مطلع السبعينات فقد فجّر قنبلة مدوية بالقول أن القرآن يحوي تناقضات فظيعة منها القول بكون الإنسان حر في اختياراته بدليل الآية"انّ الله لايغيّر ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم " و في ذات الوقت يدعو المسلم إلى الاستسلام بالقول في آية أخرى"و ما تشاءون إلا أن يشاء الله". وهو ما أثار حفيظة أوساط العلماء في بقاع عديدة من العالم الإسلامي لا سيما بالمملكة السعودية.
ومن المصدر:محمّد علي الحبّاشي تونس..المستقبل ، الساحة السياسية و النقابية 1955-1999 – تونس 1999ورد فيه:
- تلازم أبعاد أو علامات ثلاثة بارزة في شخصيته ألا وهي الأبويّة paternalisme و الشّعبوية populisme و الرّسولية prophettisme
..و تداخل هذه الأبعاد أفصح عن نفسه على مستوى منطوق الخطاب و فحوى سياسة الدولة التي هيمن عليها خلال فترة رئاسته المطلقة و الخيارات الكبرى للدّولة ، فلم يتوان بالتّصريح –كما أشار إلى ذلك أحمد بن صالح- في أحدى خطبه بمجلس النواب أنّه كبطل للاستقلال لم يكن كمحمد النبي الذي عاضده الوحي و الصحابة بل كان وحده أثناء معارك الكفاح الوطني.. علاوة عما أوردته صحيفة لومند الفرنسية ما دار بين احد صحافييها "جون لا كوتير"و رئيس الدولة التونسية في رده على المحاولة الانقلابية لسنة 1962 حينما قال"انّ تونس في حاجة إلى هالة بورقيبة"..و الأمثلة كثيرة التي تدلّل على نرجسية بورقيبة.
فان يكون بورقيبة متحلّلا من كلّ التزام ديني في حياته الخاصة فهذا ثابت ، أمّا أن تتحوّل سياسة الدولة الثقافية و التعليمية و الاجتماعية مرآة عاكسة لقناعاته الإيديولوجية فهذا ما أثار حفيظة الرأي العام التونسي في عدد من المسائل كالدّعوة إلى الإفطار في شهر رمضان (1960) تحت ذريعة مواجهة تدنّي الإنتاجية ومحاولة ثني الحجيج التونسيين على زيارة الأماكن المقدّسة و أداء مناسك الحج لما فيه من إهدار لمقادير مالية من العملات الصعبة و الدعوة إلى التبرك بدلا عن الحج بمقامات الأولياء و الصالحين كأبي زمعة البلوي و أبي لبابة الأنصاري ( من خطاب ألقاه في صفاقس يوم 29 أفريل 1964) و إصدار منشور 108 لسنة 1981 المانع للحجاب في الأماكن العامة.. بل و بلغ الأمر إلى التضييق على دور العبادة فبين 1956 و 1972 ، فلم يفتتح سوى مسجد واحد مسجد المركب الجامعي و ذلك بعد أن ألحقت عشرات المساجد بالأملاك العامة والخاصة.
Sophie Bessis & Souhayr Belhassen ; Bourguiba – Groupe Jeune Afrique Paris 1988 المصدر
الم يكن بورقيبة ملحدا ؟
و قد أصرّ أحد وزرائه محمد المصمودي فيما حكاه الأخير عن بورقيبة أثناء زيارة للالتقاء بالملك عبد العزيز آل السعود قبل الاستقلال ، فعندما طلب منه االمصمودي معرفة موقفه بشكل حاسم من الذات الإلهية أجاب بورقيبة بمنتهى الأريحية مذكّرا بمقولة الفيلسوف الفرنسي باسكال "إذا كان الله موجودا فهو بالضرورة راض عنّي و ان لم يكن موجودا فانا راض عن نفسي"..
بل وصل به الأمر إلى الاستخفاف بالمشاعر الدينية لعامة المسلمين فيم نقلته عنه "الشهاب" اللبنانية في أحد إعدادها مطلع السبعينات فقد فجّر قنبلة مدوية بالقول أن القرآن يحوي تناقضات فظيعة منها القول بكون الإنسان حر في اختياراته بدليل الآية"انّ الله لايغيّر ما بقوم حتّى يغيروا ما بأنفسهم " و في ذات الوقت يدعو المسلم إلى الاستسلام بالقول في آية أخرى"و ما تشاءون إلا أن يشاء الله". وهو ما أثار حفيظة أوساط العلماء في بقاع عديدة من العالم الإسلامي لا سيما بالمملكة السعودية.
ومن المصدر:محمّد علي الحبّاشي تونس..المستقبل ، الساحة السياسية و النقابية 1955-1999 – تونس 1999ورد فيه:
- تلازم أبعاد أو علامات ثلاثة بارزة في شخصيته ألا وهي الأبويّة paternalisme و الشّعبوية populisme و الرّسولية prophettisme
..و تداخل هذه الأبعاد أفصح عن نفسه على مستوى منطوق الخطاب و فحوى سياسة الدولة التي هيمن عليها خلال فترة رئاسته المطلقة و الخيارات الكبرى للدّولة ، فلم يتوان بالتّصريح –كما أشار إلى ذلك أحمد بن صالح- في أحدى خطبه بمجلس النواب أنّه كبطل للاستقلال لم يكن كمحمد النبي الذي عاضده الوحي و الصحابة بل كان وحده أثناء معارك الكفاح الوطني.. علاوة عما أوردته صحيفة لومند الفرنسية ما دار بين احد صحافييها "جون لا كوتير"و رئيس الدولة التونسية في رده على المحاولة الانقلابية لسنة 1962 حينما قال"انّ تونس في حاجة إلى هالة بورقيبة"..و الأمثلة كثيرة التي تدلّل على نرجسية بورقيبة.
فان يكون بورقيبة متحلّلا من كلّ التزام ديني في حياته الخاصة فهذا ثابت ، أمّا أن تتحوّل سياسة الدولة الثقافية و التعليمية و الاجتماعية مرآة عاكسة لقناعاته الإيديولوجية فهذا ما أثار حفيظة الرأي العام التونسي في عدد من المسائل كالدّعوة إلى الإفطار في شهر رمضان (1960) تحت ذريعة مواجهة تدنّي الإنتاجية ومحاولة ثني الحجيج التونسيين على زيارة الأماكن المقدّسة و أداء مناسك الحج لما فيه من إهدار لمقادير مالية من العملات الصعبة و الدعوة إلى التبرك بدلا عن الحج بمقامات الأولياء و الصالحين كأبي زمعة البلوي و أبي لبابة الأنصاري ( من خطاب ألقاه في صفاقس يوم 29 أفريل 1964) و إصدار منشور 108 لسنة 1981 المانع للحجاب في الأماكن العامة.. بل و بلغ الأمر إلى التضييق على دور العبادة فبين 1956 و 1972 ، فلم يفتتح سوى مسجد واحد مسجد المركب الجامعي و ذلك بعد أن ألحقت عشرات المساجد بالأملاك العامة والخاصة.
الموقف العظيم الذي وقفه الشيخ محمد العزيز جعيط ، هو الذي منع التنصيص على لائكية الدستور التونسي، وجعل التيار البورقيبي التغريبي اللائكي يتراجع
من خطاب شيخ الإسلام المالكي يوم عيد الأضحى، المجلة الزيتونية، م9 ج4 ص219ـ
ورد فيه
و لكن ماخفّف من غلواء العلمانية البورقيبية المعارضة التي أبداها المجتمع الذي رأى انه مس في ابرز مقوماته أي الإسلام ، معارضة تراوحت درجات التعبير عنها بين المقاومة السلبية من لدن الأغلبية الصامتة و بين الحدّة ووالتنظّم من قبل النخب الزيتونية و المتعلمة تعليما عصريا فيما بعد.
فبعيد توقيع اتّفاقيات الحكم الذّاتي (جوان 1955) تمهيدا لحصول البلاد على استقلالها، بدأت الأطراف السياسية تتجهّز لصياغةالدستور.
وقد كانت هناك نية من الحزب البورقيبي للتنصيص على لائكية الدولة في الدستور ..وقد تصدى علماء الزيتونة لهذه المحاولة، ومنهم العلامة شيخ الإسلام المالكي محمد العزيز جعيط (ت1970م) الذي ألقى خطابا أمام الملك محمد الأمين باي يوم عيد الأضحى المبارك أنكر فيه على من تحدثه نفسه إمكان قيام دستور لائكي في تونس. ومما جاء فيه قوله رحمه الله:
"... إننا أمة تفخر بدينها وتعتز بانتسابها إليه. وتعتقد أن سعادتها رهينة التمسك بتعاليمه ومباديه. فإنا نعلن عن إنكارنا ومقاومتنا لإقحام اللائكية فيما عسى أن يحدث من نظم لهذا البلد الذي خلقنا من تربته وطبعنا على محبته وأخلصنا لله في خدمته. ونسجل أمام هذا الجمع الرهيب أن إهمال التنصيص في دستوره على أن حكومته إسلامية تدين بالإسلام، بله التسجيل بأنها لائكية النظام، باعث قوي على التفرق والانقسام، وقطع حبل الوئام، ومثير لفتنة مشتعلة شديدة الاضطرام لا يعلم غايتها إلا الملك العلام، زيادة عن كونه سبة يسم هذا البلد بطابع معرة لا يمحوها كرّ الليالي والأيام... وهل من شكر نعمة الاستقلال تنكرنا لديننا الذي هو مقوم ذاتنا، وحافظ حياتنا. فليحذر المسئولون من مغبة الاندفاع في تيار التقليد، ولنذكر جميعا أنه يهون على المسلم أن تصاب نفسه ويسلم له دينه المجيد"
هذا الموقف العظيم الذي وقفه الشيخ محمد العزيز جعيط ، هو الذي منع التنصيص على لائكية الدستور التونسي، وجعل التيار البورقيبي التغريبي اللائكي يتراجع ويسلك مسلك الدهاء السياسي، فنصّ على إسلام البلد في دستورها وحكمها عمليا باللائكية..صحيح أن بورقيبة كان يعتبر إن الإسلام-كما أشار إلى ذلك المؤرخ مصطفى كريّم-أشبه بفولكلورمن قبيل الغناء و الرقص الشعبي ، و لكنّ ضغوطات الواقع و التخوفات التي قد يثيرها استفزاز مشاعر التونسيين الدينية من ردود فعل غاضبة خصوصا مع بدايات تشكّل التيار الإسلامي..هي التي أوعزت إلى بورقيبة بضرورة المراوغة و المداهنة و إيثار أسلم الطرق لبلوغ مرامي سياسة التغريب و الإلحاق الثقافي..فما ترك من مظاهر"شكلية" كان ذات دلالة مقصودة توحي بكون المرء في بلد مسلم و تجسم مكانة ضمن نطاق محدود للدين في الدولــــــة و المجتمع...
كل هذا لا يتنافى و نظرة بورقيبة للطابع التحديثي المزعوم ، كأن يكون توقيتا إداريا خاصّا يراعي شهر رمضان أو إشرافا للدولة على موسم الحــج و على العناية بالمساجد أو تدريس لمادة التربية الإسلامية في برامج التعليم..و ما شابه ذلك .
المفكر الثوري
ورد فيه
و لكن ماخفّف من غلواء العلمانية البورقيبية المعارضة التي أبداها المجتمع الذي رأى انه مس في ابرز مقوماته أي الإسلام ، معارضة تراوحت درجات التعبير عنها بين المقاومة السلبية من لدن الأغلبية الصامتة و بين الحدّة ووالتنظّم من قبل النخب الزيتونية و المتعلمة تعليما عصريا فيما بعد.
فبعيد توقيع اتّفاقيات الحكم الذّاتي (جوان 1955) تمهيدا لحصول البلاد على استقلالها، بدأت الأطراف السياسية تتجهّز لصياغةالدستور.
وقد كانت هناك نية من الحزب البورقيبي للتنصيص على لائكية الدولة في الدستور ..وقد تصدى علماء الزيتونة لهذه المحاولة، ومنهم العلامة شيخ الإسلام المالكي محمد العزيز جعيط (ت1970م) الذي ألقى خطابا أمام الملك محمد الأمين باي يوم عيد الأضحى المبارك أنكر فيه على من تحدثه نفسه إمكان قيام دستور لائكي في تونس. ومما جاء فيه قوله رحمه الله:
"... إننا أمة تفخر بدينها وتعتز بانتسابها إليه. وتعتقد أن سعادتها رهينة التمسك بتعاليمه ومباديه. فإنا نعلن عن إنكارنا ومقاومتنا لإقحام اللائكية فيما عسى أن يحدث من نظم لهذا البلد الذي خلقنا من تربته وطبعنا على محبته وأخلصنا لله في خدمته. ونسجل أمام هذا الجمع الرهيب أن إهمال التنصيص في دستوره على أن حكومته إسلامية تدين بالإسلام، بله التسجيل بأنها لائكية النظام، باعث قوي على التفرق والانقسام، وقطع حبل الوئام، ومثير لفتنة مشتعلة شديدة الاضطرام لا يعلم غايتها إلا الملك العلام، زيادة عن كونه سبة يسم هذا البلد بطابع معرة لا يمحوها كرّ الليالي والأيام... وهل من شكر نعمة الاستقلال تنكرنا لديننا الذي هو مقوم ذاتنا، وحافظ حياتنا. فليحذر المسئولون من مغبة الاندفاع في تيار التقليد، ولنذكر جميعا أنه يهون على المسلم أن تصاب نفسه ويسلم له دينه المجيد"
هذا الموقف العظيم الذي وقفه الشيخ محمد العزيز جعيط ، هو الذي منع التنصيص على لائكية الدستور التونسي، وجعل التيار البورقيبي التغريبي اللائكي يتراجع ويسلك مسلك الدهاء السياسي، فنصّ على إسلام البلد في دستورها وحكمها عمليا باللائكية..صحيح أن بورقيبة كان يعتبر إن الإسلام-كما أشار إلى ذلك المؤرخ مصطفى كريّم-أشبه بفولكلورمن قبيل الغناء و الرقص الشعبي ، و لكنّ ضغوطات الواقع و التخوفات التي قد يثيرها استفزاز مشاعر التونسيين الدينية من ردود فعل غاضبة خصوصا مع بدايات تشكّل التيار الإسلامي..هي التي أوعزت إلى بورقيبة بضرورة المراوغة و المداهنة و إيثار أسلم الطرق لبلوغ مرامي سياسة التغريب و الإلحاق الثقافي..فما ترك من مظاهر"شكلية" كان ذات دلالة مقصودة توحي بكون المرء في بلد مسلم و تجسم مكانة ضمن نطاق محدود للدين في الدولــــــة و المجتمع...
كل هذا لا يتنافى و نظرة بورقيبة للطابع التحديثي المزعوم ، كأن يكون توقيتا إداريا خاصّا يراعي شهر رمضان أو إشرافا للدولة على موسم الحــج و على العناية بالمساجد أو تدريس لمادة التربية الإسلامية في برامج التعليم..و ما شابه ذلك .
المفكر الثوري
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire