lundi 20 août 2012

حوار مع المهندس حمادي الجبالي في مارس 2006


باسم الله الرحمان الرحيم
سوسة 21مارس 2006
أجرى الحوار محمد الفاضل
حوار مع المهندس حمادي الجبالي

القيادي في حركة النهضة

والمدير السابق لجريدة الفجر
على الرغم من أن الرجل لم يمضي على سراحه24يوماً فقد بدا السيد حمادي الجبالي المدير السابق لجريدة الفجر وقيادي الصف الأول لحركة النهضة الإسلامية، بعد الخمسة عشرة سنة التي قضاها في السجن حاضر الذهن متابعاً ومطلعاً على الشؤون الدولية والإقليمية والمحلية ملتزماً خط الاعتدال الذي عهده عليه من عرفه قبل سجنه، لا يزال يؤمن أن المشروع الإسلامي المعاصر مستقبله أفضل من ماضيه و خلال الزيارة التي قمنا بها كان لنا معه حوار، حمل مضمونه من المدلولات في مثل الظرفية السياسية الحالية التي تعيشها البلاد التونسية، أكثر مما حملته تصريحاته التي لم تكن في معظمها، لدى المنشغلين بالشأن التونسي، جديدة عن حركة النهضة. ، وقد بادرناه بعد الاطمئنان عن صحته و أحواله بالسؤال التالي:
  • بعد خمسة عشر عاما قضيتموها في السجن، كيف تقرؤون الآن مستقبل الحركة الإسلامية في الأفق السياسي التونسي الراهن ؟
لما خرجت من السجن، صدمتني ظاهرة الحجاب، فقد كنا من خلال القناة التلفزيونية الوحيدة، قناة سبعة، المسموح لنا مشاهدتها، نتابع البرامج المتعلقة بقضايا المجتمع، و كنا نلاحظ مع خروج الكاميرا إلى الشارع، ومن مسافة بعيدة لما ترصده العدسة، عودة ظاهرة الحجاب في الشارع التونسي وقد كنا نراها مؤشرات على فشل السلطة في ضرب ظاهرة التدين في المجتمع، ولما خرجت شاهدت ذلك في سوسة وأظن أن الأمر كذلك في كل المدن التونسية، وهي حقيقة ظاهرة كبيرة، ولا أقول أن هذا مرده الحركة، ربما يعود الأمر للفضائيات وللدروس والمحاضرات كما يعود الأمر إلى الحركة أيضا التي رمت البذرة الأولى. و من هنا فالإشكال بالنسبة للسلطة كما بالنسبة للنظام العالمي ولاسيما الآن، هو في التعامل مع هذا الواقع، الذي لم يعد بإمكانهم تجاهله ولا بإمكانهم متابعة السعي لاستئصال الظاهرة، بقي أن الأمر يخضع في عموم المسألة لإجتهادات محلية فكل نظام يشتغل على طريقته: المغرب والجزائر و مصر. أما تونس فأظن أن الإسلام السياسي في تونس لايزال يُـوَاجَه بخط أحمر يمنع وجوده، ولكن الظاهرة في المجتمع من حيث هي كذلك ما عاد بإمكانهم محاصرتها أو ضربها ولا إستئصالها، بينما عدم فسح المجال السياسي لوجود و لعمل الحركة الإسلامية، لم يعد النظام الدولي يوافق عليه، إذ صارت تلك الأنظمة تفكر على نحو مغاير فإما القبول بهذا المعتدل وإما سيواجهون ابن لادن… ولا وجود لغيرهما.
سألتني البارحة قناة الحرة: أمام انتصارات الحركات الإسلامية في مصر وفي فلسطين وفي المغرب بكم ستفوزون في انتخابات سنة2009 ؟ قلت لها أن هذا الموضوع لم يحن وقت الحديث فيه بعد، فنحن لدينا الآن قضية أخرى هي قضية الحريات.إذن لم يعد أحد يفكر في عدم منح الحركة الإسلامية حق العمل السياسي وإنما ما أصبح يُـْطرح الآن بصيغ جديدة هو: كيف نروضهم ؟ كيف نتعامل معهم ؟ كيف نحافظ على مصالحنا الاقتصادية ؟ كيف ستكون العلاقة مع إسرائيل ؟ كيف يَـنظر هؤلاء للغرب ؟ إذا كان صعودهم حتمي فعلى الأقل علينا أن نقبل بالتعامل مع المعتدل منهم..فهناك قناعة لدى الدول الغربية في هذا الاتجاه ما عدى فرنسا وإيطاليا أوالضفة اللاتينية من أوروبا والتي كان لها تاريخ صدامي مع العالم الإسلامي، فأظن شخصياً أن النظام الدولي تخلى عن فكرة استئصال الإسلاميين، لصالح السؤال كيف نتعامل معهم في ظل الواقع الراهن؟ وعليه لايمكن للنظام التونسي أن يشذ عن هذا المناخ الجديد.
  • هذا على النطاق الدولي أما على النطاق المحلي فيبدو أن الحالة التونسية حالة استثنائية وهذا يعني أن النظام التونسي الذي قاد حملة لإستئصال الحركة الإسلامية وتجفيف ينابيعها قد لا يتراجع عن نهجه و يسمح بعودة الإسلاميين مجدداً، وأن أزماته التي يعانيها الآن قد تستنسخ منه جيلا جديدا لنظام سبعة نوفمبر جديد، يصوغ تحالفاً جديداً مع المعارضة ليقطع على الحركة الإسلامية طريق العودة وربما أيضاً ليعد لاحقاً دورة جديدة من الاعتقالات ؟
لا أتصور أن يكون هناك نفس الأسلوب ونفس المعالجة، بل لم يعد من الممكن إنجاز ذلك، فالمحاكمات السياسية الآن أصبحت مفضوحة و مغطاة إعلامياً، بل لم يعد الوضع الداخلي يقبل بها ولا القوى الدولية، فأكثر ما بالمقدور الآن هو محاصرة الحركة أو عزلها، يبدو أنهم الآن في طريق معالجات أخرى ذات طبيعة سياسية وثقافية. فالنظام التونسي يتباه بأنه إستأصل الظاهرة من جذورها، وهذا صحيح إلى حد ما، لكن ما قام به ارتد عليه سلباً، فقد إنفلت المجتمع وانطبع بسلوك عنيف..ولوأنهم فكروا جيداً كانوا تنبهوا إلى أن التوازنات الاجتماعية مثلها مثل التوازنات الطبيعية,فالصين قاومت العصافير التي تأتي على المحاصيل الزراعية فكثر البعوض، أيضاً حاولوا تحديد الولادات فأجهضوا الإناث من بين الأجنة أوقتلوا المولودة فكثر الذكور وقل الإناث ،فالتوازن الطبيعي جعله الله سبحانه وتعالى توازناً دقيقاً وجميلا وخطيراً والأمر مماثل مع التوازن الاجتماعي ، فحين تغلق باب المسجد و تواجه ظاهرة التدين فإنك ستفتح للشر أبواباً أكبر مما يُـتوقع ، فيختل التوازن الاجتماعي، وقولهم لتقضي على ظاهرة التدين افتح أبواب الفساد والإفساد، و هذه البساطة التي تم التعامل بها مع ظاهرة التدين هي التي أضرت بالمجتمع، فكان التميع الثقافي والتسطح الفكري والتحلل الخلقي في المهرجنات والعنف في ملاعب كرة القدم ..وفي سياق المنظومة التربوية جيء على مضون معهد الشريعة وأصول الدين ثم تم تطوير و إعداد المنظومة القضائية. في الثقافة جيء بالهرماسي ليلعب دوراً كبيراً لكونه مختص في الحركة الإسلامية من منظور سوسيولوجي وعلي الشابي في وزارة الشؤون الدينية وعبد الله قـلال في وزارة الداخلية وصادق شعبان في وزارة العدل ومحمد الشرفي في التعليم فالمنظومة واضحة فجميعهم كانوا يفكرون في تطوير وسائل النظام ومناهجه الإستئصالية ويلتقون جميعهم مع النظام في هذه المسألة، لكن يبدو أنهم توصلوا اللآن إلى أن هذا المشروع الإستئصالي قد فشل وأن الحلول الأمنية قد فشلت وأن المعالجة الثقافية للمجتمع من خلال بدائلهم السطحية تبين فشلها وأن محاربة التدين أضرت بهم فظهر السلفيون أو الجهاديون ولست أدي بالضبط من هم فقد قيل لي أن لبـوكاسة(*) ابن صار سلفياً وأنه ظل يترجاه ليكون نهضوياً بدلاً مما هو عليه اللآن، ولقد قلنا لهم ونحن في السجن: نحن الآن نحاوركم ونناقشكم ولكن سيأتيكم من لن تجدوا معه أي سبيل للنقاش والحوار، وقد أصبح عدد منهم اللآن في السجن، سيكفرونكم ولن يمنحوكم أي مجال للتحاور. فنحن نناقشكم في الرياضة وفي الفن وفي المسرح وفي السينما..ورجال النظام اللآن يعترفون بذلك و لم يعد النظام يدر أين المسير، فقد كان يتصور أنه عليه أن يقضي على حركة النهضة و يشتت أبناءها ويفرق بينهم ثم سينظر بعد ذلك في اللأمر..
  • النتيجة التي إنتهى إليها تاريخ البلاد هو أن ضرب حركةالنهضة اقتضى شن أكبر حملة أمنية منذ1956 وانبرى النظام على إثرها يخوض حرب استنزاف قصوى على المجتمع التونسي، فاستئصال الحركة الإسلامية إحتاج إلى ضرب مكونات المجتمع التونسي العريقة ومكاسبه المدنية وقواه الحية والاعتداء على قوانينه الناظمة و إنتهاك دستوره المؤسس وتعطيل مؤسساته الفاعلة.فإذا كان ضرب الحركة الإسلامية والسعي وراء استئصالها قد كلف المجتمع التونسي كل هذه الخسائر ،فماذا يمكن للحركة الإسلامية في حال عودتها مستقبلاً أن ترشح نفسها لتقديمه للمجتمع التونسي سواء من أجل إصلاح ما أفسده النظام في حياة التونسيين ومجتمعهم أوما يمكن أن تقدمه الحركة من نماذج مجتمعية جديدة تخرجهم عن الصورة النمطية التي رسخها إعلام السلطة عنهم وخصومها على حد سواء ؟
أحسب أن الحركات الإسلامية اللآن قد سجلت تطوراً نوعياً فلم تعد لديها نظرة أحدية للمجتمع، فما يسمونه بالإسلام الوسطي الذي هي عليه اليوم يجعلها تنظر لمجتمعاتنا على أنها تعددية بالضرورة، ويجب أن تتعمق هذه النظرة حتى داخل الحركة نفسها بمعنى أخر دمقرطة الحركة نفسها قبل دمقرطة المجتمع وهذا واقع لا أقول أنه صار مفروضاً علينا بل واقع نعيشه حالياً فأنا أستمع إلى تعاليق تصلني من الخارج تنتقد راشد الغنوشي وبيانات وحتى تجريح تنزل للأسف أحياناً على ما دون المستوى، لكن من حيث هي ظاهرة أنا أعتبر أنها ظاهرة إيجابية، فلم يعد أبناء هذه الحركة يتعاملون بمنطق السمع والطاعة وبالبساطة السابقة ولم يعد أبناء الحركة يقبلون من قياداتهم ما يذهبون إليه دون مناقشة. فهذا واقع يجب التعامل معه، فلما لا يكون داخل الحركة تيارات أواتجاهات تنظمهم حركة واحدة؟ولما لا القبول بأكثر من حركة إسلامية؟
لذلك أقول أن داخل الحركة هناك تطور إيجابي رغم ما يبدو أحياناً من هنات بنتيجة المخاض والظروف الاستثنائية التي نعيشها، كما أن على الحركة الإسلامية أن تعمل داخل المجتمع بإيمانها بقضية الحريات و بقضايا حقوق الإنسان، ليس من باب التكتيك لأجل الوصول إلى غاية ما، وإنما بوصفها قيم أساسية في خطابنا وليس هذا في واقع الأمر خارج عن قيمنا ولا هو بجديد علينا بل مؤصل له.
  • وهذا ما يشجعنا على القول لو أن الحركة الإسلامية دفعت للسجون من أجل قضايا حقوق الإنسان والحركة المجتمعية ما دفعته من أبنائها مقابل خياراتها السياسة الظرفية، كانت كسبت رسوخ قدمها في المجتمع التونسي وبنت تحالفات سيكون من الصعب على النظام التونسي بعدها أن يعزلها أو يستأصلها.
كنا قبل 90و91 من السباقين في الدعوة للعمل المشترك، لوتذكرون جلسنا مع الحزب الشيوعي وعملنا ضمن لجان مشتركة فلم تكن الحركة غائبة عن الساحة، بل كانت سباقة لجمع المعارضة.والإضافة التي يمكن أن نقدمها للمجتمع هي إنخراط الحركة في الدفاع عن الحريات، بل يجب أن تكون قضية الحريات في طليعة مشاغلها، تمارسها في داخلها وخارجها. وعلينا أن نوضح نظرتنا في مسألة المرأة وحقوقها ليس في قضية الحجاب وحسب وإنما في حقوقها الأخرى التي يزايدون بها علينا، فهم يعتبرونها كما يقول إبن علي السد المنيع لصد الحركة الإسلامية.وللأسف أخطأ الإسلاميون في الكويت حين لم يعترفوا بحق المرأة في الانتخاب وحقها في المشاركة في الحياة السياسية، وانتهت المسالة على عكس من ذلك وهم الآن يخسرون المعركة، وكسبت المرأة الكويتية حقها في الانتخاب.
كما أن الكلام عن التعددية في الحياة السياسية والتداول على السلطة يجب أن يوضح للناس فالقول بالتعددية ليس جديداً عندنا بل هذه المسائل مأصلة في فكرنا وفي الفكر الإسلامي المعتدل فأنا أتصور أن هذا هومستقبل طريق الحركة الإسلامية وقد أوضحت الحركة في مؤتمر لندن أنها حركة سياسية و مدنية وسلمية ولكن اليوم هناك من بين الحركة السلفية أو الجهادية من يلومنا على اختياراتنا هذه، الواقع مهما يكن من أمر لا يمكنني الاعتراض علي إجتهادات مهما كانت أو إدانتها، فلها أن تعمل كغيرها في الساحة فقد يكون لها حججها وأدلتها الشرعية وعلينا أن نعمل نحن أيضاً فنحن لنا اختياراتنا ولا نرى أن حركة النهضة عليها أن تجمع المسلمين جميعهم حولها فللمؤمن بأفكارها ومنهجها يمكنه أن يعمل معها وسنعذر من يخالفنا ولكن الخطر أن يتحول الخلاف إلى تكفير وربما إلى تقاتل، فالمجتمع يسع الجميع ويمكن أن تكون تلك الإجتهادات مع اختلافها عن بعضها البعض مفيدة بكل حال فالمشكل إذاً يكمن في التكفير ومخاطره. فلما لا تنشط جماعة الدعوة والتبليغ مثلاً وغيرها ؟ فما لا تستطيع إنجازه حركة النهضة أوتعجز حتى على إنجازه قد تسهم في إنجازه غيرها.
  • فكر التعددية السياسية وحقوق الإنسان وقيم الحرية كما أسلفتم ليس جديداً في خطاب الحركة لكن هناك من لايزال يتمسك بالتشكيك في جدية ما تطرحون لكون سقف الحقوق الذي بإمكانكم أن تشتغلوا عليه منخفض ودون سقوف الحقوق التي يناد بها غيركم.ولأكون أكثر دقة فحقوق الإنسان التي يتحدث عنها الآخرون تتعلق بالحريات الفردية أيضاً وحقوق المرأة بما فيها من حقها في الزواج بالأجنبي وفي ملكية جسدها و المساوة في المراث، فمن هذه الناحية وأنتم تتحدثون عن حقوق الإنسان يبدو سقفكم منخفض جداً برأي خصومكم.
ماذا يعني السقف المحدود؟ هناك في مرجعيتنا ما هو معلوم من الدين بالضرورة ولسنا في وارد مناقشته وليس لنا أن نحل ما حرم الله ونحرم ما أحل، لكن النقاش يمكن أن يدور حول فهمنا لهذه القضايا: المساوة بين الرجل والمرأة ومسألة الإرث وغيرها.فهل سمح لنا بأية فرصة لحوار حقيقي لإبداء رأينا في المسألة ؟ لكن لنفرض جدلاً أن لدينا سقف، فهذا السقف ليس نحن من نحدده وإنما مرجعيتنا الإسلامية والنص الصريح، فنجتهد فيما يسمح به المجال للإجتهاد ونتوقف عند النص القطعي.لكن حتى هذا لو إختار الناس عن طوعية وبحرية شيئاً أخر غير السقف الذي نلتزمه ونتبناه فلهم ذلك المهم أننا لن نفرض على الناس أي شيء، وحمل الناس على رأي بالإجبار والإكراه أو بالقوة ليس سبيلنا ولا نهج عملنا.فنحن نقول: لدينا خياراتنا ولدينا حدودنا و هي معلنة ولانخفيها أبداً. فمثلاً تعدد الزوجات نحن لانحرمها لكن نقبل بتقييدها إلى حد قد تصبح غير ممكنة، فالتعدد في حال الزواج هو حل استثنائي وليس القاعدة, ففي شروط معينة يمكن للقاضي أو الحاكم أن يحددها، لكن لن نأتي بنص لنحرمها. وإذا كان هذا رأينا في المسألة و إذا تركنا للجميع مجالاً متساوياً لإبداء أرائهم بحرية فالأمر متروك بعد ذلك للناس أن يختاروا بحرية ما يشاؤون فالمشكل الحقيقي في واقع الأمر أن الصراع الفكري والسياسي في تونس يحسم بالبوليس، فهم يتيحون لغيرنا فرص التعبير ولا يسمحون لنا بها، لكن إن توفرت الفرص لي ولغيري بصورة متساوية للتعبير فإن إختار الناس حكماً غير الذي ننادي به فلهم ذلك، وسنبقى حينئذ في المعارضة نشتغل لأجل خياراتنا وندافع عن أرائنا حتى لو لم يقبلها غيرنا لكن لن نفرضها على أحد المهم أن لا نـُحرَم من حقنا في التعبير.
  • هذا ما يتعلق بمستوى البحث في مسألة حقوق الإنسان في خطاب الإسلاميين والمتعلق بسقفها عندكم ولكن من ناحية أخرى يجد غيركم في بعض المشاريع التي يحملها خطابكم ما يشرع بصورة ما انتهاكات لايقرها اليوم، الميثاق العالمي لحقوق الإنسان من مثل الحدود الشرعية في حال السرقة والزنى ونحوهما، ومن ثم فحتى في حال التعامل بحسن الظن مع خطاب الحريات في حركتكم، تبقى هذه الموضوعة في خطابكم، كما يرى خصومكم جزءاً من مناوراتكم السياسية التي تقتضيها مرحلة أنتم فيها اليوم مستضعفون.
يجب أن نفهم السياق الشرعي لإقامة الحدود فهي ليست مطلقة في كل حين في تطبيقاتها أو بمعزل عن ظروف تشترطها أو دونما إطار إجتماعي وسياسي تستلزمهما، فالحدود مقيدة وهي آخر ما يمكن أن نصل إليه و ظروف تطبيقها هي ظروف مشددة عليها و صعبة مثل مسألة الرجم في الزنى وما يشترطه تطبيق الحد من شهود أربعة وغيرها تجعل تطبيق الحد يقارب المستحيل أحياناً، وحتى في هذه الحالات هناك ظروف ثقافية واجتماعية قد لاتتيح للحاكم إمكانية التطبيق فحين نصل لتطبيق الحدود فلن يكون هناك من عذر يشفع من الناحية الثقافية والاجتماعية والاقتصادية، فأحد أصحاب المال حين اشتكى إلى عمر إبن الخطاب عماله لسرقتهم ناقته وعلم عمر بعد ذلك منهم أن صاحب المال لم يعطهم ما يستحقون من أجر مقابل أعمالهم لفائدته أنذره عمر بالقصاص إن لم يرد لهم حقهم، فما يستفاد من هذا أن اشتراط العدالة الاجتماعية وتكافؤ الفرص بوصفهما مقدمة للقضاء بين الناس يشرح بوضوح سياق التطبيق للحدود الشرعية. فإذا كانت هذه المقدمات الاجتماعية والإقتصادية قد توفرت وأحدث أحدهم مثل هذا الجرم فقد صار مفسداً، فإذا كان كل شيء قد توفر له، مع أن ذلك أمل طوبوي، فقد سقط عنه العذر وقامت عليه الحجة.
فمسألة تطبيق الحدود إذن ليست مطلقة وهي مرتبطة بشروط تقيد تطبيقها والمؤسف أن تطبيق الحدود الآن في وضعية غير سليمة، ففي العربية السعودية وحدهم الفقراء الذين يقام عليهم الحد بينما يتقاسم بضعة ألاف من أمراء العائلة المالكة خيرات البلاد جميعها.والوضع ذاته جرى مع الطالبان في أفغانستان وحتى الجبهة الإسلامية للإنقاذ أول صعودها كانت تحرص أن يزيد طول البنطلون القصير إن لزم لبسه إلى ما تحت الركب…فهذه النظرة الضيقة لتطبيق الشريعة أضرت بنا حقيقة وهي تنم عن عدم فهم لما توجبه فكرة الحدود من ضرورة توفر مناخ راقي من العدالة الاجتماعية أولاً.
  • مع أنكم قبلتم باللعبة الديمقراطية والتداول السلمي للسلطة كما عبرت أدبيات الحركة وتصريحات قياداتها منذ1981 إلا أن كثيرون لا يزالون يشككون في صدق نواياكم وأنه بمجرد وصولكم للسلطة في يوم لن تسمحوا بها لغيركم في أي يوم.
هذا التشكيك ليس له من أساس فإذا كنا مقتنعين بموجب آي القرآن الكريم أنه لاإكراه في الدين فكيف لنا أن نكره الناس على خياراتنا و برنامجنا السياسي؟ فقضية الحرية هي قضية مركزية في الإسلام و للأسف يراد للحرية أن تقدم على أنها مقولة جديدة في خطابنا كما يراد لنا دائماً أن نظهر بصورة المتطفل على هذه المسألة ونحاول اللحاق بأخرين كما لوأننا أعلنا التوبة وأدركنا أخيراً طريق الصواب.فالتداول على السلطة من الثوابت في فكرنا لأننا نقر بنتيجة الانتخابات الصادرة عن إرادة حرة، فالمسألة بالأساس تتعلق بالقضية المحورية التي هي قضية الحريات.
  • السيد حمادي الجبالي نشكركم على سعة صدركم ونسأل الله لكم التوفيق ولإخوانكم السراح العاجل من السجون و للمغتربين منهم العودة القريبة من الشتات.
(*) بـوكاسة:هو اللقب الذي يُـكنى به عبد الرحمان القاسمي، أحد أشهر الجلادين في الأجهزة الأمنية التونسية، والمعروف لدى الإسلاميين بشراسته خلال التعذيب وهو أيضاً من بين أكثر شخصيات تلك الأجهزة قرباً لبن علي نفسه.


Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire